18
ديسمبر
2018
لمن يريد معرفة بماذا خدعتنا المنطقة الخضراء؟
نشر منذ Dec 18 18 am31 07:05 AM - عدد المشاهدات : 670

حسن النواب

تنشغلُ الحكومات في مثل هذه الأيام من كل عام؛ بمراجعة شاملة؛ لما تحقَّقَ من إنجازات؛ وما وقعَ من إخفاقات في وزاراتها ومؤسساتها الأخرى؛ وهذا ما تقوم به أيضاً؛ الشركات ومراكز التسوّق الكبيرة؛ بجردٍ سنوي لصادراتها ومنتجاتها وأرباحها وخساراتها، ومن خلال ذلك الجرد؛ تُحدِّد نسبة نجاح عملها وفشله؛ لتضع برنامجاً طموحاً للسنة المقبلة لتجاوز الأخطاء، هناك شركات تحقّق أرباحاً كبيرةً؛ فتغدقُ بجزء من منافعها على العاملين فيها، بينما تتعرَّضُ أخرى إلى خسارات فادحة؛ تؤدي إلى تقليص الأيدي العاملة؛ وتفرض تقشَّفاً على الذين حالفهم الحظ في البقاء معها، وأذكر حينَ كنت أعمل في جريدة العراق مطلع التسعينيات؛ إنَّ الجرد السنوي الذي تقوم فيه الجريدة؛ كانَ يعود عليها بربحٍ ممتاز؛ نتيجة الإعلانات الأهلية والحكومية التي تُنشر على صفحاتها، ولغزارة تلك الإعلانات التي تردها؛ قرَّرتْ الجريدة إصدار ملحق إعلاني خاص بأربع صفحات؛ وأنيطتْ مهمة الإشراف عليه إلى القاص المبدع عبد الرضا الحميد مقابل مكافأة شهرية متواضعة يحصل عليها!  كنتُ أراهُ مرهقا؛ يكاد قلبه ينفجر من زخم العمل الروتيني الذي كادَ يصيب عقله بالتكلَّس؛ وما عاد يرى حتَّى في أحلامه سوى لائحة طويلة من الإعلانات؛ ونسى ديدنه وهاجسه بكتابة قصة جديدة أو مقال نقدي، وغدتْ جريدة العراق الراعي الأول للإعلانات في البلاد؛ لكنَّ الأرباح الهائلة التي غنمتها الجريدة من الملحق الإعلاني؛ تجاهلتْ صديقي الحميد؛ لأنَّ قانون أرباح الصحيفة لا يشمل سوى العاملين على الملاك الدائم؛ في حين كانَ صديقنا الحميد يصحح مئات الإعلانات باليوم الواحد، ذلك الغبن الذي تعرَّض إليه الحميد؛ ذكّرني بالإجحاف الذي أصابَ الشعب العراقي؛ من صادرات نفطه الوفيرة، إذْ يُشاع في كل دورة برلمانية؛ إنَّ هناك أرباح ستوزع على العوائل العراقية من فائض الميزانية الحكومية، وتنشغل وسائل الإعلام الرسمية بالترويج لهذا النبأ السار؛ فينتعش قلب الفرد العراقي؛ وتأخذه الأحلام بعيداً؛ بما سيشتريه من حصَّته من النفط؛ والتي قيلَ في إحدى السنوات؛ إنّها تربو على الألف دولار لكل مواطن؛ وها هي السنوات "الخضراء" تتلاشى سنة إثر أخرى؛  وكل الذي قبضهُ الشعب المخدوع؛ لم يكن سوى هواءً في شبك؛ واكتشف في نهاية المطاف؛ إنَّ هذه الشائعة التي يروُّج لها مجلس النواب والمنطقة الخضراء؛ إنَّما هي دعاية خادعة لتخدير الشعب؛ في الوقت الذي امتلأتْ بطونهم الحزبية؛ بما لذَّ وطاب من طعام؛ وفاضتْ خزائنهم بالدولارات الخضر؛ و تكاثرتْ رحلاتهم إلى المنتجعات؛ وعلاجهم على نفقة الحكومة من أمراض فنطازية ومضحكة؛ صُرفت عليها مئات الآلاف من الدولارات، بينما هتاف الشعب" كافي لَفُطْ؛ كافي خَمُطْ؛ نريد حصَّهْ من النفط؛" ذهبَ أدراج الرياح. وللجرد السنوي في وطني أكثر من مصيبة ومقتل؟ إذْ ينهمكُ رجال المنطقة الخضراء؛ يجرد أرباحهم من صفقات المشاريع الوهمية التي ظفروا بها؛ ومن الزيارات الرسمية الباذخة لأصقاع العالم؛ ويكاد من هول أرباحه التي غنمها؛ أنْ يتوَّقف قلبه؛ من شدَّة الفرح، بينما نرى في الأحياء الشعبية الكادحة؛ حشود الفقراء بقلوب دامية وعيون دامعة؛ يجردونَ عدد الشهداء؛ والمعتقلين الأبرياء؛ والمفخَّخات؛ التي انفجرت في شوارعهم المتربة وأسواقهم البائسة، ويا لها من قسمة ضيزى لا يرتضيها حتَّى اليهود، فهناك في خزائن فولاذية مُحكمة، ومصارف مشبوهة؛ تتكدَّس دولارات وسبائك الذهب للسياسي الأخضر؛ بينما تتراكم في دواليب الفقراء الخشبية؛ أسمال الذين استشهدوا؛ وحفنات من الرز والسُكَّر؛ هي كل مؤونة هؤلاء المعدمين في هذا الشتاء القاسي. أجل هناك في وطني جرد سنوي يقود إلى أفراح وأتراح عارمة؛ وجرد سنوي يقود إلى فجائع مؤلمة، وفرق شاسع بين جرد السياسي لأرباحه ومغانمهِ ورحلاته؛ وجرد الفقير لخساراته وخيباته وانتكاساته، وفق معادلة طردية مؤلمة جداً؛ إذْ كلما تزايدت خسارات الفقير؛ تكاثرتْ أرباح السياسي؛ وطُمرت وعود المنطقة الخضراء للشعب المحروم بجّبٍ سحيق؛ ودُفنت معها أحلام الفقراء وتظاهراتهم وهتافاتهم التي أمستْ قبض ريح، وبات ظهر الشعب مكسوراً، بينما قامة السياسي تزدادُ صلابة وخيلاء؛ ربَّما بعض الساسة؛ يتشدَّقون بمنجز بائس تحقَّق هنا وهناك، لكنَّ الواقع يخبرنا بكل أسى؛ إنَّ الشوارع العراقية غمرها الطين والمطر، والحصَّة التموينية التي هي نسغ الروح؛ للعائلة العراقية المتعفّفة؛ مازالوا يستلمونها مُقطَّعة الأوصال، فإنْ حضرَ الدقيق غاب السُكّر؛ وإنْ حضرَ السمن؛ غاب الرز، في الواقع؛ نحنُ بأمسِّ الحاجة إلى جرد شهري لمغانم وسرقات وفساد السياسيين ووعودهم الزائفة؛ حتى نعرف فداحة الخديعة؛ وندرك حجم النهب الذي دخل إلى خزائن ساسة المنطقة الخضراء؛ على حساب الفقراء. وهل المنطقة الخضراء تمتلك الشجاعة وتعلن عبر وسائل الإعلام؛ عن جرد حقيقي لعدد الشهداء الذين سقطوا في بقاع الوطن؛ وعدد المفخَّخات؛ والأحزمة الناسفة والعبوات اللاصقة؛ واغتيالات الأبرياء بكواتم الصوت؛ وعدد المعتقلين الأبرياء في سجون؛ لا يعرف مكانها سوى الراسخون في المنطقة الخضراء؟ وهل بوسعهم الإعلان عمَّا أنجزوا من وعودهم إلى الناس؛ طيلة جلوسهم على صولجان البلاد؟ سيأتيك الجواب سريعاً؛ إنَّ الأمن الوطني وضرورات "خضراوية"؛ لا تسمح لهم بنشر حجم الخسائر والمصائب والويلات التي أصابتْ الشعب العراقي؛ حتَّى أكاد أرى الإرهابي وهو يجردُ بشهوة القتل؛ عدد الأحزمة الناسفة والمفخَّخات المتبقية بحوزته الآن، مثلما أبصرُ السياسي يجردُ بلذَّة قصوى أرصدته في مصرف خارج الحدود، وأرنو إلى الفقير؛ وهو يجلس عند عتبة باب داره الآيل إلى السقوط؛ يُحصي حسراته وعبراته على فلذة كبده الذي استشهد؛ مرتعشاً من البرد؛ ومنكسر الخاطر؛ على قوته الذي يكاد ينفد؛ ويردِّدُ بصوت غارق بالآهات والشهقات؛ تسمعهُ ملائكة السماء؛ حسبي الله ونعم الوكيل؛ على خديعة الخضراء.


صور مرفقة






أخبار متعلقة
مشاركة الخبر
التعليق بالفيس بوك
التعليقات
استطلاع رأى

هل تتوقع أن تساهم التظاهرات بتحسين مستوى الخدمات

14 صوت - 67 %

0 صوت - 0 %

عدد الأصوات : 21

أخبار