23
نوفمبر
2020
الخطاب الشعبوي
نشر منذ Nov 23 20 am30 07:12 AM - عدد المشاهدات : 621


بقلم/ محمد عبد الجبار الشبوط

تواجه اطروحة الدولة الحضارية الحديثة، من بين امور اخرى كثيرة، عقبتين مهمتين وهما: الخطاب التقليدي والخطاب الشعبوي.

اما الخطاب التقليدي فتمثله الاحزاب التقليدية بشقيها الاسلامي والعلماني، وفيها طبعا الكردي والعربي، والشيعي والسني، وغير ذلك. وقد اتيحت لهذه الاحزاب التقليدية فرصة بناء دولة حضارية حديثة بعد عام ٢٠٠٣، لكن ظروفا موضوعية وعوامل ذاتية اعاقت ذلك. ومن هذه الظروف: القصور الذاتي، والفساد، والارهاب، والمحاصصة، والتدخلات الخارجية، والارث البعثي، والبيئة الاجتماعية، وغير ذلك. وكل واحدة من هذه المفردات بحاجة الى دراسة وتحليل بصورة مستقلة. وفي ظل هذه الظروف والعوامل تراجعت المباديء المطلوبة لبناء دولة حضارية حديثة وفي مقدمتها: المواطنة والديمقراطية وسيادة القانون والمؤسسات والعلم الحديث، حيث تغلب المكون على المواطنة، والاوليجارشية على الديمقراطية، والقروية البدوية على المدنية المتحضرة. ولم يعد من الممكن تصور ان تكون القوى التقليدية عاملا مساهما في بناء الدولة الحضارية الحديثة. بل ان وجود هذه القوى التقليدية في الحكم والشارع يعيق قيام الدولة الحضارية الحديثة ما لم تجرِ هذه القوى مراجعة جذرية لخطابها وممارساتها،

واذا تصورنا ان الخطاب التقليدي يقف على يمين اطروحة الدولة الحضارية الحديثة، فلنفترض، لتسهيل رسم الصورة، ان الخطاب الشعبوي يقف على يسار الاطروحة.

الشعبوية popularism ليست جديدة لا على العراق ولا على العالم. وقد قدم Takis Pappas عدة دراسات عميقة عن الشعبوية اخرها دراسته القيمة التي نشرها في مجلة Journal of Democracy في شهر نيسان من العام الماضي حيث حلل ظاهرة صعود الشعبوية الى الحكم في عدة بلدان منها الارجنتين (١٩٤٦) واليونان (١٩٨١) وبيرو (١٩٩٠) وايطاليا (١٩٩٤) وفينزويلا (١٩٩٨) واكوادور (٢٠٠٧) وهنغاريا (٢٠١٠). هذا دون ان ننسى نجاح الشعبوية في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي (٢٠٠٦) وفوز ترامب في نفس العام، فضلا عن نمو الاحزاب الشعبوية في فرنسا (الجبهة القومية) وايطاليا (حركة النجوم الخمسة) والمانيا (حركة البديل).

في العراق، يمثل حزب البعث (خاصة بعد استيلاء صدام عليه اعتبارا من عام ١٩٧٩) نموذجا متكاملا للحركة الشعبوية. ورغم ازاحته عن السلطة، الان ان الشعبوية كتوجه سياسي مازالت موجودة في المجتمع العراقي، وليس بالضرورة ان تكون شعبوية بعثية، فمن الممكن ان تكون شعبوية اسلامية او قومية او غير ذلك. والشعبوية قادرة على ارتداء انواع مختلفة من الملابس. وقد تصاعدت الشعبوية العراقية بعد ان اخذت قطاعات واسعة من المواطنين تدرك فشل القوى التقليدية في قطاع الخدمات والاقتصاد بالدرجة الاولى. وهذا ما يمثل المتطلبات المباشرة والغريزية للمواطنين. وعادة ما تمتاز الشعبوية بسطحية الطرح، وعدم الثقة بالمؤسسات، وعدم التمسك بالديمقراطية، والانغماس في المطالب الخدمية اليومية، مثل الحصول على وظيفة في الدولة. ونقطة الضعف الاساسية في الشعبوية العراقية الراهنة افتقادها الى زعامة كاريزمية واحدة. ولا انكر ان هناك عدة اشخاص يحاولون ملء هذا الفراغ، ومنهم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي فضل ان يسير في خط الشعبوية بدلا من الذهاب الى خيار الدولة الحضارية الحديثة. واليوم تمتاز المؤتمرات الصحفية له بخطاب شعبوي بامتياز، لكن، والحمد لله، فان الرجل لا يملك المؤهلات الذاتية التي تمكنه من التحول الى قائد كاريزمي للتيار الشعبوي في العراق الامر الذي يبقي الباب مفتوحا امام امكانية صعود الحل التاريخي للعراق وهو في مفترق طرق بين الخيار التقليدي والخيار الشعبوي. يتمثل هذا الحل بخيار الدولة الحضارية الحديثة الذي يتجاوز نقائص الخيار التقليدي ولا يقع في مطب الخيار الشعبوي. ووظيفة الاقلية المبدعة العمل على تسويق هذا الخيار الحضاري وتحويله الى هدف مركزي للحراك المجتمعي العراقي.



صور مرفقة






أخبار متعلقة
مشاركة الخبر
التعليق بالفيس بوك
التعليقات
استطلاع رأى

هل تتوقع أن تساهم التظاهرات بتحسين مستوى الخدمات

14 صوت - 67 %

0 صوت - 0 %

عدد الأصوات : 21

أخبار