30
مارس
2018
العراقيون يجافون التلفزيون ... ولا يفتقدونه
نشر منذ Mar 30 18 am31 05:56 AM - عدد المشاهدات : 348

تجلس العائلة العراقية المؤلفة من أُمّ سبعينية وبناتها وأبنائها الشباب أمام شاشة تلفزيونية بلا صوت في منزلها في العاصمة العراقية بغداد. كل واحد من العائلة مشغول بجهاز إلكتروني صغير، حتى الأُمّ كانت تشاهد مقطع فيديو تعليمي على موقع يوتيوب الإلكتروني، وبعدما علّمها أحد أبنائها استعمال الهاتف الذكي. أحياناً، يُشارك أحد الموجودين مقطع فيديو أو منشور على موقع فايسبوك مع العائلة، فيما كان صوت أحد البرامج الكوميدية التلفزيونية العراقية ينطلق من جهاز إلكتروني في طرف الغرفة، ويثير بعض الضحكات.

لم يكن جهاز التلفزيون في بيت العائلة العراقية تلك قد خُفض صوته قصداً، أذ أنه بلا صوت أصلاً، فالتلفزيون كان ينقل صوراً حيّة بلا صوت تسجلها كاميرات المراقبة الأمنية التي وضعتها العائلة في الحديقة وفوق السياج الخارجي لبيتها. «هذا أحلى من التلفزيون»، تقول الأم العراقية بابتسامة عريضة وهي تشير إلى الفيديو المباشر الذي كانت تنقله كاميرات الأمن من بيتها، ويعرض على جهاز تلفزيون غرفة الجلوس. «نستطيع الآن أن نشاهد ما يجري في شارعنا دون أن نكون هناك أو نفتح باب المنزل»، تكمل الأُمّ، وهي لا تزال تتطلع الى شاشة التلفزيون المقسمة إلى أربعة أجزاء، ويُظهر قسم منها حركة الشارع خارج البيت.

منذ أن دخلت كاميرات المراقبة الأمنية الرخيصة السعر إلى العراق، وهي تلقى رواجاً كبيراً بين كثير من العراقيين. وأصبحت النافذة الوحيدة لكثير من النساء، واللواتي يعشن في مجتمع محافظ كثيراً، لمراقبة ما يجري في الشارع. «تتغير ألوان ما تنقله كاميرات المراقبة عندما يحل المساء، فتتحول من الألوان الطبيعية إلى الأسود والأبيض» تخبرك الأُمّ التي تبدو أكثر سعادة من جميع أفراد عائلتها بهذه التكنولوجيا الجديدة.

«لا تُخيف هذه الكاميرات اللصوص كثيراً لكنها تساعد بعض الشيء»، يكشف ابن العائلة حسين الذي يقترب من عامه الخمسين. بيد أن هذا لم يقلل من شعبية الكاميرات الكبيرة بين أصحاب البيوت والمحلات التجارية.

يتداول العراقيون في ما بينهم، وأحياناً على مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً لمجرمين ولصوص التقطتها كاميرات المراقبة، منها فيديو أثار موجة كبيرة من السخط الاجتماعي في العراق أخيراً، لإمام جامع مسّن محبوب في منطقته، تعرض لاعتداء وحشي، فعندما كان هذا الإمام في طريقه إلى بيته، وبعد أن صلى الفجر في الجامع، لحق به شاب كان يحمل حجراً ضرب به رأس الأمام بلا رحمة. هذا الحادثة كان سيمرّ مثل غيره دون القبض على الفاعل، لو لم تلتقطته كاميرا أحد البيوت المجاورة التي سجلت ما وقع.

لم يعد التلفزيون في أولويات العراقيين الترفيهية أو التعليمي، بل حلَّت شبكة الإنترنت، وبالخصوص مواقع التواصل الاجتماعي مكان التلفزيون، رغم أن الكثير مما يتم مشاهدته على هذه المواقع يعود أصله إلى التلفزيون التقليدي. «لا نملك جهاز تلفزيون» يكشف أسامة، المدرس الذي تجاوز الأربعين بقليل. «في البداية قررنا إعطاء التلفزيون لقريب لنا، لأننا أردنا لأبنائنا أن يهتموا بدروسهم، ولا ينشغلوا بجهاز إلكتروني جديد، لكن بعد فترة من غياب التلفزيون تنبّهنا إلى أننا لم نفتقده أبداً، حتى الأبناء لم يعودوا مهتمين بوجوده، ثم أننا شبعنا أخباراً على مدار السنوات الماضية»، يكمل الأب الشاب الذي كان هاتفه الذكي لا يفارقه. «انظر لقد عاد «داعش» إلى الإرهاب»، يُشير أسامة إلى فيديو تم نشره للتو على صفحته على فايسبوك، ويظهر واحدة من عمليات القتل الدورية التي يقترفها التنظيم في الوقت الحاضر بحق عراقيين، على الطريق بين بغداد وكركوك.

وللتمتع بمشاهدة تلفزيونية هادئة في العراق لا تشوش عليها متابعة الهواتف الذكية، على الواحد أن يبحث عن عراقيين من فئات عمرية متقدمة، من الذين لم يدخلوا في مجال الاتصالات الحديثة أو الإنترنت. يربك عدد القنوات التلفزيونية الضخم أي مشاهد غير دوري للتلفزيون اليوم. «لا أصل بالريموت الخاص بي إلى قنوات بأرقام عالية على الريموت، واكتفي بالقنوات العراقية». يقول أبو أحمد، العراقي الذي أقعده المرض في غرفته. يتنقل أبو أحمد بين القنوات الدينية والقنوات السياسية العراقية، في حين لم يشاهد منذ فترة طويلة قنوات أخبار عربية. «لا أعرف أرقام القنوات العربية على جهاز الريموت بعد. القنوات العراقية تكفيني»، يُكمل العراقي الذي تصطف على طاولة صغيرة قريبه من سريره أدوية وقنينة ماء شُرب نصفها.

تملك معظم الأحزاب السياسية العراقية الكبيرة قنواتها التلفزيونية الخاصة، والتي يمكن التعرف (ولغير العارف بالمشهد التلفزيوني العراقي) على اتجاهاتها الحزبية في غضون دقائق، خصوصاً أن هذه القنوات تُرفق برامجها العادية بفقرات ترويجية لأفكار الأحزاب التي تروج لها، أو عدائية ضد خصوم أصحاب القنوات. يُعيب كثير من العراقيين على قنواته المحلية تحزبها وخطاباها السياسي الفج. في حين تبدو نشرات الأخبار والبرامج الحوارية التي تعرضها هذه القنوات زائدة تماماً ومبتذلة، فكيف يمكن تصديق هذه القناة أو تلك في ما تنقل من أخبار وتحليلات، إذ كانت هي نفسها قد عرضت قبل دقائق فقط فقرة دعائية فظة وبدون حياء لمالكها، تنسف فيها كل الأسس الإعلامية العالمية المعروفة.


صور مرفقة






أخبار متعلقة
مشاركة الخبر
التعليق بالفيس بوك
التعليقات
استطلاع رأى

هل تتوقع أن تساهم التظاهرات بتحسين مستوى الخدمات

14 صوت - 67 %

0 صوت - 0 %

عدد الأصوات : 21

أخبار