7
يونيو
2020
الخلل في المركب الحضاري الاميركي
نشر منذ Jun 07 20 am30 11:53 AM - عدد المشاهدات : 972

محمد عبد الجبار الشبوط

تندرج الولايات المتحدة في قائمة الدول الحضارية الحديثة. لكنها لا تحتل مكانا متقدما في هذه القائمة، التي تتصدرها اكثر من عشرين دولة ليس من بينها الولايات المتحدة. توصف الدولة بانها حضارية وحديثة حين تحقق درجات عالية في المركب الحضاري المؤلف من عناصر وقيم. فاما العناصر فهي الانسان والطبيعية والزمن والعلم والعمل. واما القيم فهي مؤشرات السلوك التي تحكم العلاقات الانسانية والعلاقات الطبيعية للعنصر الاول، اي الانسان بما حوله من بشر وطبيعة. وتقضي هذه القيم التي تراكمت منذ عصور الانبياء الاولى مرورا بما انتجه العقل الانساني على مر الزمن بان كرامة الانسان وحقوقه وحريته تمثل قيمة عليا غير قابلة للمساومة بغض النظر عن الدين او اللون الخ.

 وبالرغم مما حققته الولايات المتحدة من درجات عالية على صعيد العلاقات الطبيعية، فانها تعاني من خلل عميق وحاد وقديم في جانب العلاقات الانسانية. وتمثل هذا الخلل في عقيدة تفوق الجنس الابيض من جهة واسترقاق السود من جهة ثانية،  وقد تلازم الامران في التاريخ الاميركي وكأنهما وجهان لعملة واحدة. وهكذا سارت العنصرية والعبودية يدا بيد في التاريخ الاميركي مع ان كريس هارمان يرى ان العنصرية وليدة العبودية وليس العكس حيث يقول ان الرسمالية انتجت العبودية، والعبودية انتجت العنصرية. ومع ان الولايات المتحدة نالت استقلالها عام ١٧٧٦ على اساس الحرية والمساوة الا ان الامر استغرق ٨٧ سنة لكي يعلن ابراهام لنكولن الغاء العبودية عام ١٨٦٣.

لم يكن هذا الخلل بعيدا عن ادراك الاميركيين، فقد كان الاختلاف بين ولايات الشمال وشقيقاتها ولايات الجنوب حول العبودية من اسباب اندلاع الحرب الاهلية الاميركية في ١٢ نيسان من عام ١٨٦١. فقد ادرك شطر كبير من الاميركيين، وربما لاسباب اقتصادية بحتة متأثرين بافكار ادم سميث، ان انتاجية العمال الاحرار اكبر من انتاجية العمال العبيد. وبقيت هذه المسألة احدى مشكلات المجتمع الاميركي التي ظل يعاني منها بدرجات متفاوتة الى اليوم الحاضر. وكان هذا من اسباب ظهور الحركات المناهضة للتمييز العنصري في الولايات المتحدة، ومنها الحركة العفوية التي ترفع اليوم شعار black life matters  التي اثارتها حادثة وفاة المواطن الاميركي الاسود جورج فلويد تحت ركبة الشرطي الاميركي الابيض. لست ادري ماهي دوافع الشرطي الابيض، وهل هي عنصرية بحتة ام مخلوطة بحالة عصبية نفسية وليدة اللحظة، لكن ما حدث اثار المشاعر المناهضة للعنصرية بشكل غير مسبوق ربما منذ عام ١٩٦٨. ومن الجدير بالملاحظة ان حالة الرفض والاحتجاج شملت القطاعات الاوسع من المجتمع الاميركي، بما في ذلك الحزب الديمقراطي المعارض (حزب الرئيس السابق اوباما) والمؤسسات الاعلامية الرئيسية مثل ال سي ان ان وصحف "نيويورك تايمز" و "واشنطن بوست" و "فوزين افيرز"، وغيرها.

ولم تتعرض التظاهرات الاحتجاجية لاعتداءات مضادة من مواطنين اميركيين قد نفترض انهم  غير مناهضين للعنصرية ومتعاطفين مع الشرطي الابيض، ما يعني ان درجة الخلل في المركب الحضاري اقل من العوامل التي دفعت الشرطي الى سلوكه العدواني. لكن هذا لا يعني ان المركب الحضاري الاميركي في حالة سليمة بشكل لا يدعو الى القلق ما دام تكرار حادثة فلويد ممكنا وواردا، ما يعني ان على المجتمع الاميركي ان يفعل اكثر من التظاهرات الاحتجاجية التي تجتاح مدنه الان للقضاء على كل مظاهر التمييز العنصري والديني في بلاده. هذا دون ان ننسى ان صعود الشعبوية ممثلة بالرئيس ترامب من العوامل المساعدة على صعود التعصب العنصري. لكن الحديث عن "انهيار" الولايات المتحدة، في هذا السياق،  سابق لاوانه.


صور مرفقة






أخبار متعلقة
مشاركة الخبر
التعليق بالفيس بوك
التعليقات
استطلاع رأى

هل تتوقع أن تساهم التظاهرات بتحسين مستوى الخدمات

14 صوت - 67 %

0 صوت - 0 %

عدد الأصوات : 21

أخبار