2
فبراير
2025
الرقص مع الشيطان!!
نشر منذ 3 يوم - عدد المشاهدات : 170



تيمور الشرهاني 

في خضم الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعاني منها العراق، يظل الحديث عن التغيير وإصلاح النظام السياسي الشائك محور النقاش بين العراقيين. كثيرون يرون أن النفوذ الإيراني هو العقبة الكبرى أمام تحقيق هذا الهدف، معتقدين أن التخلص من هذا النفوذ، ولو عبر ضرب إيران عسكرياً، سيكون مفتاحاً لإنهاء حقبة الميليشيات والفساد المستشري في البلاد. لكن، هل المشكلة حقاً في إيران؟ أم أنها تكمن في من يحكم العراق؟ 

لعل المثال الأقرب لفهم هذا الواقع هو ما حدث مع "أبو محمد الجولاني"، قائد "هيئة تحرير الشام" في سوريا. الجولاني كان جزءاً من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعـــــــ.ش) ثم انشق عنه ليصبح قائداً لتنظيم "القاعدة" في سوريا. لاحقاً، أعاد تسويق نفسه عبر الانشقاق عن "القاعدة" نفسها، وتمكن من السيطرة على أجزاء من شمال سوريا، ليصبح طرفاً فاعلاً في المعادلة السياسية والعسكرية هناك. اليوم، يبدو أن العالم قد نسي تماماً ماضيه، وبدأ يتعامل معه كحقيقة سياسية على الأرض. 

هذا الدرس يطرح تساؤلاً مهماً: ماذا لو قرر قادة عراقيون مثل هادي العامري أو نوري المالكي "إعلان البراءة" من إيران؟ هل سيكون هناك من يفتح ملفاتهم القديمة المتعلقة بالفساد ودعم الميليشيات؟ أم أن العالم سيتعامل معهم كجزء من الواقع الجديد، تماماً كما حدث مع الجولاني؟ 

هنا لا بد للإشارة إلى أن الرؤية التي تختصر أزمة العراق في النفوذ الإيراني فقط هي قراءة سطحية للمشهد. صحيح أن إيران تلعب دوراً كبيراً في تشكيل النظام السياسي العراقي بعد 2003، إلا أن هذا النفوذ لم يكن ليُترجم إلى قوة فعلية لولا وجود نخب سياسية عراقية مستعدة للتعاون معه، بل والارتهان له، مقابل الحفاظ على امتيازاتها. هذه النخب لا تتورع عن التضحية بالمصالح الوطنية والاستراتيجية للعراق إذا كان ذلك يحافظ على بقائها في السلطة. 

حتى إذا تراجع الدور الإيراني، فإن النخب نفسها، بشبكاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ستبقى قائمة. وقد تسعى لإعادة التموضع والتحالف مع قوى دولية أو إقليمية أخرى لضمان استمرار هيمنتها. المشكلة، إذن، ليست في إيران فقط، بل في من يحكم العراق وكيفية إدارة البلاد. 

ما حدث مؤخراً خلال حرب غزة في عام 2023 يثبت هذه الفرضية. رغم التهديدات الإسرائيلية العلنية بالتصعيد ضد أي جهة تحاول التدخل لصالح غزة، التزمت القوى السياسية العراقية، التي لطالما رفعت شعارات المقاومة والتحالف مع محور الممانعة، صمتاً مطبقاً. هذا الموقف لا يعكس فقط خوفاً من التهديدات، بل يؤكد أن السلطة وامتيازاتها أصبحت الأولوية المطلقة لهذه النخب، حتى لو كان ذلك على حساب القضايا التي تدّعي دعمها. 

لو ذهبنا إلى ما فعله الجولاني في سوريا قد يكون نموذجاً قابلاً للتكرار في العراق كون القوى الدولية والإقليمية أثبتت مراراً وتكراراً أنها لا تهتم بالماضي إذا كان الحاضر يخدم مصالحها. إذا قرر قادة عراقيون، مثل العامري أو المالكي، إعادة تسويق أنفسهم والتخلي علناً عن إيران، فإن العالم قد يغض الطرف عن ماضيهم، تماماً كما فعل مع الجولاني. 

هذا يطرح سؤالاً أكبر حول قدرة الشعب العراقي على مواجهة هذه المحاولات لإعادة إنتاج نفس النخب الفاسدة، ولكن بوجوه وخطابات جديدة. 

بيد أن التغيير في العراق لا يمكن أن يأتي من الخارج، سواء عبر تدخلات إقليمية أو دولية، أو حتى من خلال انهيار النفوذ الإيراني. الحل يبدأ من الداخل، من خلال وعي شعبي واسع يرفض النخب الحالية ويطالب ببناء نظام سياسي قائم على الشفافية، المساءلة، واحترام القانون. 

لهذا أظهرت النخب السياسية العراقية مرارًا أنها مستعدة "للرقص مع الشيطان" من أجل الحفاظ على مواقعها. وهذا يعني أن أي تغيير حقيقي لن يحدث إلا إذا تم تفكيك هذه الشبكات الفاسدة، وبناء مؤسسات قوية ومستقلة قادرة على حماية مصالح الشعب، بعيداً عن أي تدخل خارجي. 

المشكلة الكبرى في العراق ليست إيران، وإنما في من يحكم العراق. هؤلاء الذين استخدموا النفوذ الإيراني كوسيلة للبقاء في السلطة، مستعدون لإعادة تسويق أنفسهم والتحالف مع أي طرف يضمن لهم البقاء. الدرس الذي يقدمه نموذج الجولاني يجب أن يكون تنبيهاً للعراقيين: لا تنتظروا الخلاص من الخارج، فالتغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، من إرادة شعبية ترفض إعادة إنتاج نفس الوجوه، مهما غيرت من خطابها أو تحالفت مع قوى جديدة.



صور مرفقة






أخبار متعلقة
مشاركة الخبر
التعليق بالفيس بوك
التعليقات
استطلاع رأى

هل تتوقع أن تساهم التظاهرات بتحسين مستوى الخدمات

14 صوت - 67 %

0 صوت - 0 %

عدد الأصوات : 21

أخبار