|
11
يوليو
2018
|
جدلية الفهم الإصلاحي ، وفلسفة التغيير
نشر منذ Jul 11 18 am31 03:12 AM - عدد المشاهدات : 381
|
سعد الساعدي
حين يأخذ الصراع بين الفكرة والنظرية ،
شكلاً متقن الفن لأية ظاهرة ، مهما كان تصنيفها ، ومقوماتها فانه ينطلق من ركائز متنوعة
الاشكال والصنوف حسب الظرف الذاتي ، أو الموضوعي لتشكيل فلسفة خاصة لها صبغتها ؛ بالاتجاه
الذي تريده الذات تارة ، وتارة اخرى مع واقع الحياة اليومية نحو هدف محدد ، أو مشروع
يهدف للبناء ؛ بناء الانسان والمجتمع ، والقيم
الحضارية الطامحة لولادة سعادة، وبهجة ، وفرحة
تبعد الكائن البشري عن السير في طريق مظلمة نحو امل منشود ، او ترقّب يطول مداه ، او
يقصر .
فالمجتمع ، والطبيعة ، وكلّ الكائنات الحية
الأخرى محكومة بقوانينها الخاصة ؛ ومن قوانين الانسان والانسان ما يقع ضمن مجالات الحوار و تبادل اطراف الحديث
بالإقناع او بدونه . هذا ليس جديداً على النظام
البشري المجتمعي عموماً منذ عصر افلاطون ، وربما قبله ايضاً الى يومنا هذا إنطلاقاً
من أي واقع ؛ الى ما تفرزه من ثمرات مساعيها ، وهي – بالتأكيد – لا تطمح لسوءٍ ، أو
شرٍّ .
ونظراً للتعقيدات الكثيرة التي تصاحب مفهوم"
الجدلية " خاصة ، حسب آراء الفلاسفة واتباعهم ، أو من يعارضهم ، نقف ببطء وهدوء
عند مفهوم ( الجدل المقنع ) لفهم الإصلاح بشكله العام
بدون كلّ المتناقضات وإشكالياتها ، ونحدد هذا
الفهم – بشكل مختصر – بما نحتاجه نحن البشر ؛ لاننا نعيش على هذه الارض التي ليس لنا
سواها ، ولابد من تسخير خيراتها لمنفعتنا جميعاً ؛ اي البشرية بكل اطيافها بعيداً عن
الافكار المتصارعة بكل عناوينها وفق المنطق الملتزم غير المتزمت تحت أسس العلم وعقلانية
طبيعة الحياة ومتغيراتها .
لا يُعدّ الإصلاح مفهوماً ترفيهياً بقدر
معوقاته الكثيرة، وما عاناه و يعانيه المصلحون ، وأهمها التضحيات باغلى الأشياء من
أجله ، كالموت من أجل الحرية و الشهادة والاستبسال
دفاعاً عن المبادىء ، لان هذا الدفاع هو اصلاح فردي ، وجماعي من أجل الخلاص إما من
عدو يسعى للتخريب والدمار ، او ينتهك كل الحرمات الانسانية ، وصفحات التاريخ مليئة
بتلك الصور وأسماء المصلحين الذين اتّفق التاريخ على قيادتهم لعمليات الاصلاح التغييري
فلا حاجة للتكرار.
وبالقدر الذي يكون عليه المصلحون ؛ مهما
كانت نزعاتهم ، ومذاهبهم الفكرية من أجل افكارهم ، وقيمها التي هي عندهم سامية ، لانهم
قوة التغيير الحقيقي الاّ ما جاء به المتطرفون من قيم بالية وقالوا عنه أنه دستور للاصلاح
كالذي قال منهم :
ان على المسلمين اعادة الشهادتين لانهم
ارتدوا حين لم يقتلوا حكامهم وانهم في عصر من جاهلية ثانية ؛ لان الحاكم كفر ، والانسان
كفر وفق ( مفهوم الحاكمية والجاهلية ) ، ومن ثم التأسيس على ذلك لاحقاً كي يستباح الدم
البريء ، ويحصل ما نراه اليوم من ويلات الارهاب ، ودماره ، ويحسب اصحابها أنهم هم المصلحون
الصلحاء ، وغيرهم ألَدّ الاعداء .
ان اي نمط اصلاحي لا يسعى الى التغيير وفق
العقل ، والبرهان لا يمكن تسميته اصلاحاً قط . والاصلاح يقف مباشرة بلا تردد امام الفساد
، والانحطاط ، والتردي ، وخيانة المباديء الانسانية . فنجده حين ينبعث من النفس البشرية
قوة تحارب تلك النفس المخادعة لتنتصر عليها . وحين يتصدى كمجموعة هازّة بعنفوانها ،
وموجات تيارها العارم امام مجتمع منحرف ، وسلطة غاشمة من اجل ترسيخ الحق والعدالة ،
وايضاً ضد الدكتاتوريات البغيضة ، والرأسمالية الظالمة ، والاقطاعية المستعبِدة ، وكل اصناف الظلم ؛ فهو
الثورة ، والبركان ، والصوت المدوي من أجل الخير ، وشيوع الامن وتلاشي الويلات والحرمان
.
الاصلاح العام : هو انساني قبل ان يكون
بيئي ضيق كسراب مخادع . لم يتردد الفلاسفة الثائرين بفكرهم من اجل حياة سعيدة ، ولم
يتردد كل القادة الثوريين، ولم يُرهِب الجميع اي عنوان للخوف في سبيل الهدف المنشود
وهو الاصلاح . ورغم عدم صمود الافكار الحرة طويلاً في بعض الاحيان امام السلطات السياسية
الغاشمة التي تتبنّى فكراً مغلوطاً ، أو هي أصلاً تسعى لذاتها بعيداً عن شعوبها ومصالحهم،
لكن عنوان الحرية هو الجوهر الباقي ، والمحرك الفاعل ضمن العنوان العام على مرّ الزمن
.
مجتمعاتنا العربية قد تكون اكثر مَن عانى
مِن الحرمان ، لانها تمتلك ثروات طائلة ، بشرية ، ومادية منذ سطوع الحضارة العربية
الاسلامية ، ولحد الآن ؛ لانها واقعة بين مركزين مهمين من القوة ، وهما :
سلطة الدولة ، وسلطة أصحاب الفكر الديني
اللاعقلاني ، اي الفكر الأسود من تأويلات المتدينين بعيداً عن قيم السماء الراقية ،
وأخلاق الفضيلة السامية التي نهجتها كلّ الأديان عبر عصور شتّى ، وتلونت بها .
فتارة نجد القضاء والقدر يلعب دوراً ، والانتماء
القبلي الموافق للسلطة الحاكمة يلعب دوراً خر حفاظاً على المصالح الفاسدة ، وكان سبباً
مهماً في سقوط كثير من الدول التي أوهمت رعاياها بانها المُصلِحة والمخلّصة ، في حين
كانت هي من أعتى دول الفساد التي سجلها التاريخ
عبر مسيرته .
ووفق كل الرؤى فان المتضرر دائماً هو المجتمع
، سواء اتّحدت السلطات ، أم أختلفت . ففي الأولى يُظلم ويُهضم ، وفي الثانية تستباح
كلّ حرماته ويُسال دمه ؛ اذن هو الضحية والمغلوب الخاسر في كل المعارك والصراعات .
ومن هنا ياتي تخطيط المصلحين لانقاذ ما يمكن انقاذه وفق برامجهم الساعية لخلاص المجتمع من ظلم اجرامي . تبدأ خطط التغيير بما تحمله من
معاناة لعلها تجد النور ، أو من يساعدها في إضاءة الطريق .
لقد استفاد المجتمع الغربي من التطورات
الحاصلة ، والمتسارعة في كلّ المجالات وتحوّل الى النجاح بعد حروب دامية ، وظلام طويل
. الفكر السياسي كان الاكثر تأثّراً في تقويم المنعطفات التاريخية ؛ فصنع قانوناً يحمي
الحياة ، اي انّ الاصلاح غيّر مسيرة مجتمعات نحو الرقي والرفاهية ، والتقدم . امّا
نحن العرب ما زلنا نبكي على الاطلال ، والديار الدارسة ؛ لعلنا نسمع أنين أحد الموتى
، أو نلقي عليه التحية والسلام .
أين تكمن مشكلة
الإصلاح ؟ ولماذا يتعثّر ، أو يُباد من يسعى لذلك ؟ هل ان الشعوب لا تحب الاصلاح ولا
تسعى للتغيير؟
مشكلتنا قد يكون جزء منها المجتمع والسلطة
الحاكمة ؛ لكن أهمها انفسنا نحن عندما نخذل المصلحين . وهل هناك مصلح لا يمكن معرفة
خطّه ، ومبادئه ، واهدافه ؟ بالتأكيد لا .. والمشكلة الاخرى حينما لا يمكن تحديد الأهداف
والغايات ؛ فالجامعات لا تعرف اهدافها يقيناً ، والى ماذا تسعى ؛ هل تخرّج طلبة من
كلياتها فقط ، ام تعُدّهم ليكونوا قادة مجتمع يحملون مشعل العلم مع مشعل الحرية من أجل تغيير مستمر نحو الافضل في مسيرة
الحياة ؟ حتى الادباء حين يُسألون عن كتاباتهم
، وأشعارهم ، ورواياتهم ؛ ما الغاية منها مع النمط الانساني العام ، والمجتمعي الخاص
والى اين ستنتهي ؟ لا يعرف كثير منهم سوى انه يهوى الشعر ويكتب ، أو يسعى لانْ يكون
نجماً في مجتمع متخلف في كثير من مستوياته وانماطه وسلوكه اليومي ، أو هي نفثات يخرجها
من روحه على ورقة صمّاء احياناً ؛ لذلك آثروا البقاء في منازلهم بعيداً عن صخب السياسة
، وفوضى التناقضات ، وبعضهم لا همّ له له الا ان يتربع في برج عاجيّ ؛ في حين هناك
من اكلت الزنزانات الموحشة جلودهم ، وأعمت ظلمتها أبصارها ؛ فأين هذا الاين منهم ؟
فالحياة بحاجة مستمرة الى فلسفة اصلاحية
يقودها مفكرون ، وليس رجال يستجْدُون امام ابواب الحكام . النخبة موجودة في كلّ زمان
ومكان ، ولابد لهم ان يتحركوا بكل وسائلهلم بعد ان تطورت وسائل الاتصال ، وانعم الله
بها على البشرية كحدٍ ادنى من وهج نور العلم والحرية والثورة على الذات اولاً ، وعلى
الفاسدين دائماً ، وهذا هو جوهر مهم من جواهر التغيير . من هنا يكون المنطلق نحو التغيير
؛ فلم تعد المثاليات صالحة ، ولا يمكن للخفافيش ان تصنع نظرية تقود الحياة والشّمس
لم تغب بعد .
هل نحن بحاجة الى نبي جديد يخاطبنا ومنذ
قرون طويلة ذهبت المعجزات مع الانبياء ، تركوا لنا قيمهم السامية ، واخلاقهم العالية
لكي نتعلم ان لا نبقى مظلومين نندب حظّنا كلّ صباح ؟
نعم لقد حدثت فجوة كبيرة بين العلم والحضارة والتطور ، وانساننا المعاصر ؛ تخلفت مجتمعاتنا
قرون طويلة ، وجمدت في مكانها تنظر الى الغد بعيون مغمضة بلا استعداد ، وبلا زاد ؛
اصابها الخمول ، والذهول من صدمة جهلها ، وافكارها المتخاذلة ؛ لماذا ؟ لانها لا تملك
اسلوب الفكر النيّر ، وفلسفة التحليل ، ولانها تعلمت ان يلقّنها الاشخاص كما لو انّها
في ديوان ( الكتاتيب ) اوما يُسمّى مدرسة ( الملا ) تتلقن ، وتنفذ كالانسان الآلي ؛ وربما الآلي افضل
، وأحسن لانه اليوم يصنع حضارة الحياة التي معها ازدهرت حتى الثقافة ، وتغيرت انماط
معيشة مليارات البشر .
ما زال المجتمع بحاجة الى تربية فوقية صارمة
غير مترهّلة ؛ لا تديرها دوائر حكومية او مؤسسات نفعية . من هنا تتكرر الحاجة لدور
اصلاحي ، ورجال مصلحين ، واذا ظهروا تكشفهم مؤهلاتهم امام الملأ في اي ساحة وهل هناك
من لا يعرف مؤهلاتهم ؟ وعنوان الاصلاح باقٍ لا يتغيّر أبداً ؛ لانه النواة الحقيقية
للتغيير ومحاربة الفاسدين .