13
ديسمبر
2020
الاستبداد خلل حاد في المركب الحضاري
نشر منذ Dec 13 20 am31 07:06 AM - عدد المشاهدات : 545


محمد عبد الجبار الشبوط

  مازلنا في العراق نتحدث عن، بل نشكو من الاستبداد بعد حوالي ١٢٠ سنة من وفاة عبد الرحمن الكواكبي (١٨٥٥-١٩٠٢)، مؤلف الكتاب الشهير "طبائع الاستبداد"،وبعد حوالي ١١١ سنة  على طبع كتاب "تنبيه الامة وتنزيه الملة" الذي الفه الشيخ محمد حسين الغروي النائيني (1860 م - ١٩٣٦)   وكلاهما تحدثا عن الاستبداد، وشروره ومفاسده.

مازلنا نتحدث عن الاستبداد لانه مازال قائما في الدولة العراقية. ومع ان المادة الاولى من الدستور تقول ان "نظام الحكم  فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ"، الا ان الحقيقة ان نظام الحكم ليس ديمقراطيا، وانما اوليجارشي Oligarchy. وكان افلاطون وارسطو من اوائل من اشار الى هذا النوع من الحكم، الذي يتسم باستبداد وانفراد عدد قليل من الاشخاص بالسلطة والنفوذ في الدولة. والفرق بين النظام الدكتاتوري مثل النظام الصدامي والنظام الاوليجارشي، ان الاول يحكمه فرد واحد، والثاني يشترك في حكمه عدد محدود من الافراد.

وبسبب عيوب التأسيس الكثيرة، والمستوى المنخفض للثقافة والوعي السياسيين، اضافة الى عوامل اخرى كثيرة، لم تنجح تجربة ٢٠٠٣ في اقامة نظام حكم ديمقراطي بالمعنى الصحيح، هذا رغم ان المظاهر القشرية للديمقراطية موجودة مثل الدستور و الانتخابات الدورية، والبرلمان، والتعددية الحزبية. لكن السلطة الحقيقية ليست بيد الدستور او الانتخابات او البرلمان، انما هي بيد قلة من الاشخاص الذين يمسكون زمام الامور بسبب امتلاكهم عناصر قوة لا يملكها الدستور ولا البرلمان. ولم يكن الامر هكذا منذ البداية، لكن الانحراف عن الديمقراطية بدأ بصورة تدريجية حتى انتهى الى ماهو عليه. وفي السنوات الماضية تراوحت المصطلحات التي استخدمتها الدوائر الاكاديمية في وصف النظام السياسي الحالي من ديمقراطية ناشئة، الى ديمقراطية قابلة للارتداد، الى ديمقراطية ذات عيوب، الى نظام هجين، واخيرا نظام اوليجارشي.

ومثّل هذا خللا حادا في المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة بعناصره الخمسة. فالحرية والديمقراطية وحق الانسان في تقرير مصيره وحقه في اختيار حكامه وممثليه عبر انتخابات حرة وعادلة ونزيهة كل اولئك مفردات مهمة في منظومة القيم الحافة بالمركب الحضاري في بعدها الدستوري والسياسي، والتي يجب ان تحميها قوانين عادلة قادرة على تطبيق هذه القيم بصورة سليمة مثل قانون الانتخابات وقانون الاحزاب وقانون الصحافة وقانون حرية النشر والتعبير الخ. لكن الطبقة السياسية الحاكمة، بفرعيها التشريعي والتنفيذي ، فشلت في الحفاظ على هذه القيم، وفي تشريع قوانين تضمن الالتزام بهذه القيم، بل ان الكثير من ممارسات هذه الطبقة جاءت مخالفة ومناقضة لمنظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري، ومنها الديمقراطية.

يجسد الاستبداد، الذي يتضمن الاستهتار في استخدام السلطة لمنع المشاركة الحقيقية فيها وقمع الاصوات المعارضة والناقدة، الدرجةَ العاليةَ والخطرةَ جدا في الخلل الحاد للمركب الحضاري. وتكمن الخطورة في ان الاستبداد، بمختلف اشكاله السياسي والديني وغيرهما، من المعيقات الكبرى لحركة المجتمع الحضارية التقدمية. فالحرية شرط الابداع والتقدم. ونقيضها الاستبداد المعيق للتطور والتقدم.

ان كل المجتمعات التي توصلت الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة بدات مسيرتها الحضارية بترسيخ الحرية، فكرةً وممارسةً، حيث لم يكن بالامكان ان تشرع بمسيرتها الحضارية دون ان تكون حرة في ارادتها وفكرها وكلمتها. ان الكلمة الحرة هي شرارة الانطلاق نحو الدولة الحضارية الحديثة. والتاريخ يحدثنا ان كل الانظمة التي قامت على الاستبداد ومصادرة الحريات انتهت الى الفشل والسقوط  عاجلا او آجلا. وهذه قانون تاريخي صارم يثبته القران الكريم بقوله: "وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ". جبّار: دكتاتور، مستبد، جائر، منفرد بالسلطة.

يستطيع الحاكم المستبد ان يجمّل صورته اعلاميا لكنه لا يستطيع ان يخفي حقيقته القبيحة البشعة.


صور مرفقة






أخبار متعلقة
مشاركة الخبر
التعليق بالفيس بوك
التعليقات
استطلاع رأى

هل تتوقع أن تساهم التظاهرات بتحسين مستوى الخدمات

14 صوت - 67 %

0 صوت - 0 %

عدد الأصوات : 21

أخبار