▪️ تيمور الشرهاني

ذات صيف بعيد، اجتمع ثلاثة أساتذة في قاعة هادئة لتصحيح أوراق امتحان البكالوريا لعام 1993، لمادة الرياضيات. تسير العملية بانتظام؛ كل ورقة تمر عبر ثلاثة مصححين، ولا أحد يتوقع شيئًا غير اعتيادي. لكن بين ركام الأوراق، ظهرت ورقة بيضاء تقريباً، لم يكتب صاحبها إلا أسئلة الامتحان ذاتها، دون أي حل أو محاولة للإجابة.

وقف الأستاذ الأول حائراً أمام الورقة. قلبها بين يديه، وتردد في منح صاحبها صفراً قاسياً، فكتب "1 من 20"، وكأنها علامة رحمة خجولة. عندها حطت ذبابة صغيرة خلف الرقم "1". أبعدها الأستاذ بيده، لكنها عادت بثبات، وأصرت على مكانها! أعاد الكرة ثانية وثالثة، لكنها بقيت هناك، كأنها تحرس الرقم. ضحك الأستاذ في نفسه، وفي لحظة ضجر رسم صفراً بعد الواحد، فصارت العلامة "10".

انتقلت الورقة إلى المصحح الثاني، وتكررت الحادثة بشكل عجيب؛ الذبابة ذاتها، أو شبيهة بها، لم تفارق الورقة، حتى أربكت الأستاذ وجعلته يترك العلامة كما هي، دون أن يغيرها. أما المصحح الثالث، فما إن رأى الذبابة حتى ابتسم، واعتبر الأمر طرفة طريفة، ومرت الورقة بجناحي الذبابة إلى سجلات النجاح.

مرت الأيام، وظهرت نتائج البكالوريا، وكان اسم صاحب الورقة بين الناجحين. احتفظ الأستاذ الأول برقم تسجيل الطالب، مدفوعاً بفضول لا يهدأ. بعد أيام، جاء الطالب لاستلام كشف النقاط، فدعاه الأستاذ إلى جانبه وسأله عن سر إعادة كتابة الأسئلة فقط. عندها، أطرق الطالب رأسه وقال بصوت خافت: 

"يوم امتحان الرياضيات، توفي والدي... كان علي أن أترك كل شيء لأودعه إلى مثواه الأخير."

ساد الصمت للحظة، ثم ارتسمت الدهشة على وجه الأستاذ. أدرك حينها أن الرحمة تسبق العدالة أحياناً، وأن للقدر طرقاً عجيبة لا يدركها أحد. رأى في الذبابة الصغيرة علامة من السماء، وحكمة إلهية تنصف من يستحق، ولو بغير الأسباب المعتادة.

هكذا، لم تكن الذبابة إلا رسالة: أن التوفيق قد يأتي من حيث لا نحتسب، وأن خلف كل رقم قصة لم تُكتب بعد.

العبرة:

أحياناً، تكون أبسط المواقف أعظم الآيات، ويصنع القدر من اللاشيء باباً للنجاة. فكن رحيماً، فقد تكون سبباً في فرحة لا يعلم سرها إلا الله.