12
اكتوبر
2022
روسيا قادرة على حماية أمنها القومي وحدودها ووجودها.. اهتموا بفلسطين
نشر منذ Oct 12 22 pm31 06:47 PM - عدد المشاهدات : 691



رامي الشاعر - كاتب ومحلل سياسي

صرح المفوض السامي للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، نهاية الأسبوع الماضي، بأن ضم روسيا لأربع مناطق أوكرانية جديدة يجعل انتهاء الحرب في أوكرانيا “شبه مستحيل”.

ووصف “الدبلوماسي” الأوروبي الوضع بـ “حديقة”، أنشأها الأوروبيون بطبيعة الحال، “محاطة بالأدغال”، يعني بذلك روسيا المتوحشة البربرية قطعا، وأشار إلى أنه “إذا كنا لا نريد أن تغزو الأدغال الحديقة.. علينا أن نتدخل”، مؤكدا على أن ذلك “ليس ترفا، وإنما أمر ضروري لا غنى عنه للبقاء”.

وكان “الدبلوماسي” بوريل قد أعلن في أبريل الماضي أن “الانتصار في هذه الحرب سيكون في ساحة المعركة”، ويعني ضمنيا، أنه لن يكون في ساحة الدبلوماسية أو على طاولة المفاوضات “لا قدر الله”.

تؤكد تلك التصريحات، بما لا يدع مجالاً للشك أن الغرب، كما يقول الرئيس بوتين، يعتمد على الإفلات من العقاب، ويعتمد بشكل أساسي على الجشع، والحفاظ على قوته غير المحدودة، لهذا لا يرغب في الحرية الحقيقية، وإنما يريد جميع الدول من حوله مستعمرات، فهو لا يريد تعاونا نديا، وإنما يريد السرقة، لا يريد رؤية روسيا كمجتمع حر، وإنما كحشد من العبيد بلا روح.

يريد الغرب “نظاما على أساس القواعد”، قواعده هو، وليس قواعد أي كيانات أخرى، قواعده التي تستند إلى مصالحه الشخصية، وليس إلى مصالح أي شعوب أخرى. من هنا تمدد “الناتو” شرقا، دون أن يعير الأمن العالمي أي اهتمام، خرج من معاهدات الدفاع المضاد للصواريخ والصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، دون أن يفكر للحظة أن ذلك يهدد السلام العالمي بأسره.

إلا أن ذلك لم يبدأ اليوم، ولا حتى بنازية أدولف هتلر، وإنما بدأ في العصور الوسطى، من الحروب الصليبية، عندما تواطأت المؤسسات الدينية مع أطماع الملكية، ثم كانت تجارة الرقيق العالمية، ثم الإبادة الجماعية لقبائل الهنود الحمر في أمريكا، ونهب الهند، وإفريقيا، وحروب إنجلترا وفرنسا ضد الصين، ففتحوا موانئ الصين لتجارة الأفيون، واضعين بذلك أمما بأكملها تحت أسر المخدرات من أجل الأرض والموارد.

أما روسيا، فلم تسمح لنفسها يوما أن تستغل الشعوب، وتتاجر بمصيرها، بل كان الاتحاد السوفيتي جزءا هاما ومحوريا في الحركة المناهضة للاستعمار وتحرير البلدان النامية في القرن العشرين، ليفتح بذلك الفرصة لشعوب العالم للتطوير من أجل الحد من الفقر وعدم المساواة، والتغلب على الجوع والمرض.

لم تقصف روسيا بلغراد وليبيا والعراق وأفغانستان، ولم تكن سببا في تورط أوروبا في موجات المهاجرين من إفريقيا وآسيا لمئات البشر الذين يموت بعضهم غرقا والآخر بردا، بينما تهيم البقية على وجهها في ملاجئ أوروبا لتخلق مشكلات ديموغرافية واجتماعية، ستظل أوروبا تعاني منها لعشرات السنين. ولا زالت، حتى يومنا هذا فرنسا وبريطانيا تطبعان النقود الورقية وتصكان العملة لحساب 40 دولة إفريقية، ليس لديها الموارد الكافية، بعد عقود من الاستقلال، بينما تدفع تلك الدول أموالا طائلة من أجل ذلك. ولا تزال فرنسا تستخرج 30% من اليورانيوم الذي تحتاجه للمفاعلات النووية من النيجر، باستخدام عمالة من الأطفال، في الوقت الذي يعيش فيه 90% من سكان النيجر بلا كهرباء.

لا شك أن أحد الأسباب الرئيسية لـ “الروسوفوبيا” (رهاب الروس) منذ قرون، والحقد غير المقنع للنخب الغربية تجاه روسيا هو عدم سماحها بالسرقة خلال ما سمي بـ “الفتوحات الاستعمارية”، بل أجبرت روسيا الأوروبيين على التجارة بشرف، من خلال المنفعة المتبادلة، وكان لدى روسيا دولة مركزية قوية، طوّرت وعزّزت نفسها على أسس من القيم الأخلاقية العظيمة والثقافة الروسية والكلمة الروسية.

يزعم الغرب، ويصدع رؤوسنا بما يجلبه لشعوب العالم من “حرية” و”ديمقراطية”، إلا أنه يجلب الاستعباد والعنف بدلا من الحرية، والقمع والاستغلال بدلا من الديمقراطية، وليس أدل من ذلك سوى ذلك المشهد المرعب الذي تم تصويره من الهواء للمرة الأولى في تاريخ البشرية في 6 و9 أغسطس من العام 1945، حينما ألقت الولايات المتحدة الأمريكية قنبلتيها على هيروشيما وناغازاكي، لتقتل حوالي 150 ألف نسمة بضغطة زر. وقبلها دمّرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مدن درسدن وهامبورغ وعدد من المدن الألمانية الأخرى، وحوّلتها إلى أطلال دون أي ضرورة عسكرية خلال الحرب العالمية الثانية، بمنتهى الصلف والتحدي والفجاجة. كارت إرهاب للعالم بأسره.

ولا زالت الولايات المتحدة الأمريكية، ولنكن صرحاء، تحتل اليابان وكوريا وألمانيا وبولندا ودول البلطيق وأوكرانيا، في الوقت الذي تسمي فيه بعض هؤلاء بـ “الحلفاء”، ولا يستطيع أي مسؤول في دولة من هذه الدول أن يتخذ قرارا استراتيجيا دون الرجوع إلى أسياده في واشنطن للتشاور، وإلا خضع للعقوبات والحصار والإزاحة.

اليوم يطل علينا السيد بوريل، ليقول لنا أن “الحديقة” التي أقامها الأوروبيون محاطة بـ “الأدغال”، هذا هو مستوى تفكير مسؤول رفيع، بل أرفع المسؤولين عن شؤون العلاقات الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، وهو على قناعة، وفقا لما لقنوه إياه أسياده الأمريكيون، من أن ما يفعله بزج وتسليح المزيد من الأوكرانيين إلى أتون الحرب التي يتوهمون أنهم “ينتصرون” فيها، يصب في مصلحة الشعوب والدول الأوروبية. أي أنهم يضحون بأوكرانيا من أجل استنزاف روسيا لتنعم أوروبا بالسلام! هكذا يعتقدون.

فهل يدرك هؤلاء طبيعة العلاقة المشتبكة والمعقدة التي تربط دونباس وخيرسون وزابوروجيه بروسيا، بل قل هل يعي هؤلاء ما يربط روسيا بأوكرانيا. إن بعض من يشاركون القتال في صفوف القوات المسلحة الروسية هم من أصول أوكرانية، تربطهم بعائلاتهم على الجبهة الأخرى صلات دم وقرابة، لكنهم يقاتلون من أجل تحرير شعبهم من النخب النازية التي انقضت على الحكم في أوكرانيا عام 2014. ولا يبغون سوى تحرير شعوبهم من أسر الغرب، الذي يحرق أهلهم من أجل مصلحته وازدهاره، لا من أجل مصلحة وازدهار أوكرانيا.

لعل أصعب ما يواجه الجيش الروسي اليوم هو الفرز بين من غرّر به وتم إجباره على القتال من المواطنين الأوكرانيين والتشكيلات والميليشيات النازية التي تحمل على أجسادها علانية وشم الرموز النازية. أصعب ما يواجه القوات المسلحة الروسية هو حرصها الشديد على عدم وقوع ضحايا بشرية بين المدنيين وحتى بين العسكريين الأوكرانيين. وإذا كان الأمر كما يفعل الأمريكيون في حروبهم بالعراق وأفغانستان، فكان بإمكان روسيا أن تدمر خطوط السكك الحديدية الأوكرانية، وتقصف محطات الكهرباء لتغرق أوكرانيا في ظلام دامس، وطوال الأشهر السبع الماضية، كان بإمكان روسيا أن تفعل ذلك، وتنهي العملية العسكرية الخاصة لصالحها، إلا أنها لم تفعل.

اليوم، وبعد أن تمت المصادقة على انضمام المناطق الأربع: جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، ومنطقتي خيرسون وزابوروجيه، لم يعد هناك خط رجعة، وأصبحت تلك المناطق أراض روسية تستوجب الدفاع عنها، وإعلان الحرب حال العدوان عليها من أي قوى أجنبية، واعتبار إمدادات ونقل السلاح هدفا مشروعا للقوات الجوية الفضائية الروسية في أي مكان على رقعة مسرح العمليات العسكرية التي تشمل كافة الأراضي الأوكرانية.

عودة إلى “الدبلوماسي” بوريل، فإن ما تحاوله النخب السياسية الغربية في واقع الأمر هو تحويل العالم كله من حولهم إلى “أدغال” مقابل أن يستمروا هم وسيدهم الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية في أوهام الهيمنة والأحادية القطبية، غير مكترثين بما يعانيه ملايين البشر حول العالم، جراء العبث والتهور الذي يمارسونه في جميع أنحاء العالم بما في ذلك في الشرق الأوسط، فأين الدبلوماسية الأوروبية، على سبيل المثال لا الحصر، من القضية الفلسطينية، ومن معاناة الشعب الفلسطيني وقضايا الاحتلال والاستيطان والعنف والقتل خارج إطار القانون والعربدة التي تمارسها إسرائيل على مدار عقود برعاية ودعم ومباركة الولايات المتحدة؟

ومع ظهور مبادرة الملياردير الأمريكي، إيلون ماسك، الذي طرح شروطا للتفاوض كنقطة بدء للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وهو ما جعل من ماسك “سياسياً” و”دبلوماسياً” ربما تفوق موهبته بوريل شخصياً، فيما يتعلق بإدراكه كم المعاناة والضحايا من المدنيين والعسكريين والنتائج الكارثية التي تحل بأوكرانيا جراء عنادها وتحريض الغرب لها.

يقترح ماسك إعادة الاستفتاء للمناطق التي تم ضمها، برعاية الأمم المتحدة، ودخول شبه جزيرة القرم إلى حدود روسيا كما كان الوضع منذ عام 1783، قبل خطأ خروشوف. وتوفير المياه لشبه الجزيرة من الجانب الأوكراني. وأن تظل أوكرانيا دولة محايدة.

إلا أن تلك المقترحات لا تتعدى كونها نقاشا مجتمعيا، يطرح الآن في الغرب إدراكا من بعض السياسيين ورجال الأعمال، ممن يتفهمون مخاطر التصعيد أكثر من أي من القادة الأوروبيين، الذين يحتاجون إلى عيادات نفسية، بالنظر إلى عدد العقوبات التي أصبحت مفروضة على روسيا، وتضر بشعوبهم أكثر مما تضر روسيا نفسها.

يشبه ذلك أيضا ما ورد في رسالة تلقيتها مؤخرا بشأن مجموعة من الناشطين السياسيين البريطانيين من أصول عربية، يتمتعون بعلاقات وأنشطة واسعة مع عدد من الشخصيات السياسية والبرلمانية الأوروبية، اجتمعوا مع وفد أوكراني، وسألوني عمّا يمكن أن يكون أرضية تفاوض بين الأطراف، ومن بين مقترحاتهم كان “مناقشة قضية منح المناطق الأربعة التي ضمتها روسيا مؤخرا إدارة مشتركة” وهو اقتراح بدا لي نتاجاً للمناقشات مع الوفد الأوكراني.

أقول إن ذلك وإن دل، فإنما يدل بلا شك على تحركات أوروبية وغربية لطرح الأسئلة والبحث عن حلول، إلا أن ذلك كله لا يرقى لكي يكون “مبادرة” أو “حلحلة” للمشكلات العويصة والمعقدة التي تورط فيها الغرب بانخراطه في انقلاب عام 2014.

ويجب أن يدرك الجميع أن توقيع الرئيس بوتين على قانون المصادقة على معاهدات انضمام المناطق الأربعة إلى روسيا اليوم يعني ببساطة أن ذلك الأمر لم يعد قابلا لأي نقاش، وتم حسمه بشكل نهائي. تلك مناطق روسية شأنها شأن شبه جزيرة القرم، استنادا إلى إرادة سكان تلك المناطق، وشأنها شأن أي بقعة على امتداد مساحة روسيا الشاسعة. والتخلي أو التنازل أو التفاوض على أرض روسية هو قضية أمن قومي وخيانة عظمى يعاقب عليها أي رئيس حالي أو قادم لروسيا.

لذلك فنصيحتي للأخوة الناشطين من أصول عربية في بريطانيا تجنيد علاقاتهم للاهتمام بقضية نضال الشعب الفلسطيني، حتى لا تنسى في ظل الأجواء الدولية المتوترة، وهو الأهم بالنسبة لنا نحن العرب اليوم، خاصة وبعد أن تحدت رئيسة الوزراء البريطانية كل العرب بافتخارها بصهيونيتها. أما روسيا وأوكرانيا، فأؤكد لكم أن روسيا كفيلة بالرد واتخاذ الإجراءات المناسبة والرادعة والضامنة لأمنها ووجودها.



صور مرفقة






أخبار متعلقة
مشاركة الخبر
التعليق بالفيس بوك
التعليقات
استطلاع رأى

هل تتوقع أن تساهم التظاهرات بتحسين مستوى الخدمات

14 صوت - 67 %

0 صوت - 0 %

عدد الأصوات : 21

أخبار