![]() |
|
10
ابريل
2025
|
حينما يدوس العراق على ظل المعلم.. أين احترامنا لرسل العلم؟
نشر منذ 1 اسابيع - عدد المشاهدات : 14630
|
تيمور الشرهاني
يُروى أن التلميذ في اليابان يتعلم منذ نعومة
أظفاره أن يبتعد عن ظل معلمه سبع خطوات، حتى لا يدوس عليه سهواً، فهذا الظل ليس مجرد
خيال على الأرض، بل رمزٌ لقدسية العلم ومكانة من يحمله. هذه القصة ليست أسطورة، بل
واقع يعيشه شعب جعل من التعليم ديناً، ومن المعلم قديساً. بينما في العراق، يُداس على
المعلم كل يوم، ليس بالأقدام فقط، بل بالإهانة، بالإهمال، بالتهميش، برواتب لا تكفي
لسد الجوع، وببنية تحتية تذكّرنا بأن التعليم هنا ليس أولوية، بل ربما ليس حتى في قائمة
الاهتمامات.
اليابان، التي خرجت من تحت أنقاض الحرب العالمية
الثانية محطمةً مدمرةً، لم تبنِ نفسها بالمال وحده، بل بالعلم أولاً. جعلت من المعلمين
نقلةً حضارية، فرفعت رواتبهم إلى مستوى الوزراء، ومنحتهم مكانةً اجتماعيةً تليق بدورهم
في بناء الأجيال. هناك، لا يحتاج المعلم إلى تذكير طلابه باحترامه، فالجميع يقف احتراماً
عندما يدخل الصف، ليس خوفاً من عقاب، بل لأنهم يعلمون أن هذا الرجل هو حجر الأساس في
مستقبلهم.
أما في العراق، فإن المعلم يحمل على كتفيه أعباءً
لا تقل ثقلاً عن أعباء الحرب. فهو ليس مجبراً على تعليم الطلاب فحسب، بل على تحمل إهاناتهم
أحياناً، أو إهانات أولياء أمورهم الذين حولوا المدارس إلى ساحات صراع بين "أنا
ولي أمر" و"أنت مجرد موظف صغير". المعلم العراقي يعيش في دوامة من اللامبالاة،
فالدولة تنظر إليه كرقم في جدول الرواتب، والمجتمع يتعامل معه كخادم مُكلف بـ"تدريس
الأولاد" لا أكثر.
الحديث عن رواتب المعلمين في يُشبه الحديث عن
نكتةٍ مأساوية. كيف لمعلم أن يكرس وقته للإبداع وهو لا يعرف كيف سيدفع إيجار بيته أو
ثمن دواء لطفله؟ كيف له أن يُخرج جيلاً متعلماً وهو نفسه يعيش على هامش الحياة؟ الأقسى
من ذلك أن بعض المدارس لا تجد حتى المقاعد الكاملة للطلاب، فكيف بالكتب الحديثة أو
المختبرات العلمية؟ المعلم هنا ليس فقط مهمشاً، بل هو يعمل في بيئة تشبه المقبرة الجماعية
للتعليم، حيث كل شيء ينزف موتاً بطيئاً.
والنتيجة؟ جيلٌ كامل يتخرج من المدارس وهو يحمل
شهادات لا تعكس مستواه الحقيقي، لأن النظام التعليمي أصبح يعتمد على "النجاح التلقائي"
أو "التسهيلات" التي لا تنتج إلا أميين مزيفين. طلاب يعرفون كيف يهددون المعلم،
لكنهم لا يعرفون كيف يحلون معادلة رياضية بسيطة. طلاب يتقنون الغش، لكنهم يعجزون عن
كتابة جملة صحيحة بلغتهم الأم. هذا هو الثمن الذي سيدفعه العراق عندما يتحول التعليم
إلى مجرد مرحلة عبثية يجب إنهاؤها بأي ثمن.
اليابان لم تصل إلى ما هي عليه اليوم لأن شعبها
أكثر ذكاءً، بل لأنه أكثر احتراماً للعلم. العراق لن ينهض بالشعارات والخطابات، بل
بخطوات فعلية تبدأ بإعادة الاعتبار للمعلم. ليس بالكلام، بل بالرواتب التي تليق به،
بالمدارس التي تحترم مهنته، بقوانين تحميه من الإهانة، وبمجتمع يدرك أن المعلم هو آخر
حصن ضد الجهل والانحطاط.
السؤال الذي يبقى معلقاً في الهواء: متى سنفيق؟
متى سندرك أن دوس ظل المعلم ليس مجرد إهانة له، بل دوسٌ على مستقبل بلد بأكمله؟ قد
يكون الجواب عندما نجد أنفسنا أمام جيلٍ لا يعرف القراءة، ولا يفكر إلا بالعنف، ولا
يرى في العلم إلا سلعةً رخيصةً يمكن شراؤها أو تزويرها. حينها، ربما نتذكر أن كل هذا
بدأ عندما أهنا المعلم، فقتلنا في أنفسنا آخر بصيص من أمل.