![]() |
|
20
أغسطس
2025
|
كربلاء… حيث تُكتب الأساطير بمداد الإخلاص!
نشر منذ 3 ساعة - عدد المشاهدات : 1520
|
بقلم: د. غفران إقبال الشمري
أن تخطو في كربلاء زمن الأربعين، وأنت وسط مدٍّ بشري يفيض بأكثر من واحدٍ
وعشرين مليون عاشق، ثم لا ترى إلا انسياباً مهيباً ولا تسمع إلا همس الطمأنينة، فاعلم
أنك في مدينةٍ تُدار بعين السماء وبسواعدٍ آمنت أن الخدمة عبادة وأن النظام معجزة تُصنع
على الأرض.
هذه كربلاء التي قلبت الموازين، فحوّلت ثِقَل الملايين إلى لوحة انسيابٍ
مدهشة، حيث اصطفت القوات الأمنية كالسدّ المنيع، لم تكتفِ بالحماية، بل كانت خيمة أمانٍ
تظلّل الزائرين، تقف تحت لهيب الشمس كأنها نذرت الصبر قُرباناً لأرواحٍ جاءت تطلب الحسين.
وهنالك، كانت الدوائر الخدمية تسابق الزمن، تنظّف الطرقات وتعيد للمدينة
صفاءها، كخلايا نحلٍ لا تعرف الكلل. وفي موازاة ذلك، حمل قطاع النقل والمواصلات رايةً
لا تقل قداسة، إذ أشرف مسؤولوه ليل نهار على انسيابٍ عجيب لحركة الحافلات والمركبات،
ليظل الطريق مفتوحاً أمام كل قاصدٍ وضيف. كانت عجلة النقل لا تتوقف، وكأنها شريان حياة
يمدُّ جسد الزيارة بالراحة والسكينة.
أما القطاع الصحي، فقد أضاء الزوايا بجهوزيته. مستشفيات ميدانية، فرق
إسعاف متنقلة، ومراكز طوارئ تقف بالمرصاد لأي طارئ، لتعلن أن صحة الزائر أغلى من كل
اعتبار.
وفي قلب هذه الملحمة، ارتفعت راية المواكب الحسينية، لتقدم الصورة الأبهى
للإنسانية. آلاف الخدّام نذروا الوقت والمال والجهد، ليحولوا الطعام إلى كرامة، والشراب
إلى عبادة، والابتسامة إلى لحنٍ من الوفاء. لقد كانوا شركاء الدولة في هذا النصر، وجزءاً
من روح التضامن التي خطّت للعالم روايةً لا مثيل لها.
ثم جاءت القيادة العليا، بروحها الميدانية، لتكتب فصلاً جديداً في دفتر
الإشراف: جولات لا تهدأ، وعيون لا تنام، وإرادة لا تكلّ. كانت صمام الأمان الذي جمع
الجهود في بوتقة واحدة، لتصوغ من الفوضى المحتملة نظاماً أقرب إلى المعجزة.
وإلى جوار ذلك كله، وقف أهالي كربلاء النجباء، فاتحين قلوبهم قبل بيوتهم،
يوزعون الكرم كما توزَّع البركات. لقد أثبتوا أن العطاء الكربلائي ليس عادةً اجتماعية،
بل ميراث روحي يتجدد مع كل موسم، يذوب فيه الفرد في خدمة الزائر، كأنه امتداد لرسالة
الحسين نفسها.
نجاح هذا العام لم يكن وليد اللحظة، بل ثمرة مشاريع كبرى سبقت الزيارة:
بنى تحتية صلبة، طرق ممهَّدة، ومياه وكهرباء هيأت للأعداد الغفيرة انسياباً سلساً.
كربلاء لم تستقبل الزائرين وحدهم، بل استقبلت العالم أجمع، لتقول بلسان
حالها: هنا يولد الأمان، هنا تُرفع كرامة الإنسان، وهنا ينتصر العراق بإنسانيته.
الأربعين… ليست زيارة وحسب، بل رسالة خالدة يبعثها العراق إلى ضمير البشرية.