|
2
يناير
2022
|
الباجه جي يكشف تفاصيل اللقاء الاخير مع صدام حسين.. ماذا قال الربيعي والجلبي له وماذا كان رده؟
نشر منذ Jan 02 22 am31 11:07 AM - عدد المشاهدات : 1364
|
الاعلام
العراقي/ وكالات
نشر رووداو على
حلقات كتاب "عدنان الباجه جي.. رجل بين قرنين"، فهذا الدبلوماسي الذي مثّل
العراق في الأمم المتحدة لأكثر من 50 عاماً، وتبوأ منصب وزير الخارجية في الستينيات،
ولد في بدايات القرن الماضي، ورحل في الربع الأول من القرن الحالي، وبهذا يكون بالفعل
قد عاش بين قرنين مزدحمين بالأحداث العراقية والعربية والدولية.
كما التقى الملك
فيصل الأول، مؤسس العراق الحديث، وعاصر كل رؤساء حكومات العهد الملكي ورؤساء الجمهوريات
العراقية وصولاً إلى صدام حسين وما بعده. هذا الكتاب ليس مذكرات بالمعنى التقليدي،
لم يكتبها الباجه جي بنفسه، بل هو صفحات بارزة من حياته، وتطلّب إنجازه المرور بمراحل
عدة وعلى مدى أكثر من سبع سنوات، وعبر محطات بدأت في لندن عام 2010 وانتهت في أبو ظبي
عام 2017. أنا أسأل وهو يسرد بدقة. كنا نتناقش، ونحلل، ونبحث، ونمضي خلال أزمنة ودروب
وأزقة تنطلق من حي السنك في شارع الرشيد، حيث ترعرع الباجه جي، ونذهب إلى مدن بعيدة،
نجتاز بحاراً وقارات لنتتبع قصصاً وأحداثاً وشخوصاً وتواريخ. تحدثنا عن السياسة والمدن
والأزياء وأسلوب حياة المجتمع العراقي خلال مائة عام تقريباً.
الحلقة (20)
التآمر على العراق
أدرك عدنان الباجه
جي، بعد حديثه مع صدام حسين خلال لقائه معه في ابو ظبي، عن الوحدة بين العراق وسوريا،
ومن ثم حديثه مع وزير خارجة سوريا عبد الحليم خدام، بان هذه الوحدة لن تتحقق بسبب محاولة
كل من صدام والرئيس السوري حافظ الاسد بالسيطرة على الاوضاع سواء في حزب البعث او على
العراق وسوريا، خاصة وان خدام قد أكد له بانهم "لا يثقون بالقيادة العراقية"،
ثم سرعان ما انتهى هذا المشروع في قاعة الخلد في عام 1979 والتي عرفت في الثقافة البعثية
بـ(تطهير حزب البعث)، بينما اطلق عليها اعلاميا بـ(مجزرة الرفاق)، وكانت مؤتمراً حزبياً
بعثياً في بغداد، في قاعة الخلد، نظّمه الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين في 22 يوليو
(تموز) 1979، مما أدى إلى فشل الوحدة بين حزب البعث السوري بقيادة حافظ الأسد وحزب
البعث العراقي بقيادة أحمد حسن البكر، كما أدّى إلى قتل واعتقال كل المعارضين البعثيين
لصدام بتهمة تآمرهم مع سوريا ضده، لكن السبب الحقيقي كان بسبب اعتراض قادة الحزب على
عزله للرئيس احمد حسن البكر وسيطرته على الحكم بدون العودة الى النظام الداخلي للحزب
من تلك القاعة.
حادثة قاعة الخلد
اجهضت الوحدة التي كان قد اتفق على قيامها كل من البكر والاسد، حولت العداء بين الاسد
وصدام حسين من شخصي الى ضغينة ضد العراق، وهذا ما دفع بالرئيس السوري الى الوقوف مع
خميني في الحرب العراقية الايرانية ضد العراق والشعب العراقي.
وباستياء بالغ
يقول الباجه جي: "أنا لا أغفر لحافظ الأسد أبدا، لأنه كان يزود طهران بالسلاح
ويدعمها، في الوقت الذي كان العراق في حرب مع إيران من أجل الدفاع عن العراق وعن الأراضي
العربية. ولهذا فأنا أنفر من كل الجماعات العراقية التي ذهبت إلى إيران وكانت هناك
خلال الحرب العراقية – الإيرانية، وساندت ودعمت العدوان على بلدها، مهما كان كرهها
وموقفها من صدام حسين، فهذا لا يبرر وقوفها مع إيران ضد قوات بلدها التي كانت تقاتل
من أجل بقاء العراق والدفاع عنه".
اللقاء الاخير
مع صدام حسين
اللقاء الآخر الذي
جرى بين الباجه جي وصدام حسين كان بلا موعد مسبق، يقول: "شاءت الصدف أن ألتقي
صدام حسين للمرة الثانية عام 1975 في الجزائر خلال ترؤسه وفد العراق في مؤتمر قمة للدول
المصدرة للنفط (أوبك) وكنت هناك مع الشيخ زايد الذي ترأس وفد الإمارات، وخلال هذا المؤتمر
تصالح صدام مع شاه إيران حيث جمعهم الرئيس الجزائري هوار بو مدين وسط تصفيق بقية الوفود،
ووقع اتفاقية الجزائر الشهيرة، ثم جاء لزيارة الشيخ زايد في مقر إقامته وكنت حاضرا،
فسأله الشيخ زايد عن الاتفاقية التي وقعها مع الشاه، وقال له: (أريد أن أعرف ما هي
هذه الاتفاقية وماذا تضمنت؟)، فأجابه صدام حسين قائلا، وهذا سمعته بنفسي: (أنا عندي
مشكلتين مع إيران، الأولى تتعلق بشط العرب، فهم لا يعترفون بالاتفاقية السابقة الموقعة
بينهم وبين العراق، والثانية هي مساعدة إيران للأكراد، ثورة الأكراد مستمرة وتكلفنا
كثيرا من الضحايا والأموال). ثم أضاف صدام، قائلا: (أنا لا أملك القوة لأجعل إيران
تعترف بالاتفاقية السابقة حول شط العرب، وهذا الموضوع صار واقعا لا نستطيع تغييره،
لهذا أنا وافقت على أمر واقع وكسبت إيقاف الدعم الإيراني للأكراد، وهذا سيوفر علينا
الأرواح والأموال)".
اللقاء الأخير
لكن أكثر اللقاءات
مع صدام حسين إثارة، وتحمل عنصر المفاجأة، كانت في المرة الثالثة، أو اللقاء الأخير،
يتحدث الباجه جي بكل دقة عن هذا اللقاء، قائلا: "المرة الثالثة التي التقيت فيها
مع صدام حسين كانت في السجن بعد أن تم القبض عليه. كان ذلك في شهر ديسمبر (كانون الأول)
2003، وكنت أنا رئيسا لمجلس الحكم وكالة، ذلك أن رئاسة المجلس كانت شهرية، وكان دوري
في الرئاسة في شهر يناير (كانون الثاني)، ولكن بسبب سفر رئيس المجلس وقت ذاك، عبد العزيز
الحكيم، إلى فرنسا فأنا ترأست المجلس خلال غيابه".
وبتفصيل أكثر دقة،
يقول: "يوم القبض على صدام حسين كنت مريضا ودرجة حرارتي مرتفعة، اتصلوا بي من
إذاعة الـ(بي بي سي) يسألونني عن رأيي في القبض على الرئيس العراقي السابق، وأنا لم
أكن قد سمعت بالخبر لأني كنت منقطعا عن الأخبار بسبب مرضي، فقلت أنا لا أعرف بالخبر،
بعد ذلك بخمس دقائق اتصل بي هاتفيا بول بريمر، الحاكم المدني الأميركي للعراق ما بين
2003 و2004، وقال: أحببت أن أبلغكم بأننا ألقينا القبض على صدام أمس وأود مشاركتكم
لي في مؤتمر صحافي حتى يصدق العراقيون وغيرهم ذلك، ووجودك مهم. قلت: هذا حدث كبير وتاريخي،
ومع أني كنت مريضا فقد ارتديت بدلتي وحضرت المؤتمر حيث كان هناك من يهتف ويصفق، وآخرون
يبكون فرحا، ألقيت كلمة سريعة خلال المؤتمر الذي شاهده العالم كله".
يتذكر بوضوح:
"بعدها اقترح بريمر أن أتصل بعدد من أعضاء مجلس الحكم للذهاب لمقابلة صدام حسين
في السجن ليتأكد العالم من الحدث، فاتصلت بالسياسي العراقي نصير الجادرجي، وشخص آخر
نسيته الآن، للمجيء إلى مطار الهليكوبتر لهذا الغرض، وكلاهما اعتذر عن الحضور، لكننا
أنا وبريمر فوجئنا بوجود أحمد الجلبي وعادل عبد المهدي وموفق الربيعي في المطار من
غير أن يدعوهم أحد، لم يكونوا مدعوين لهذا اللقاء، فسألت بريمر فيما إذا كان هو قد
دعاهم، لكنه أجاب مستغربا حضورهم، وقال: لا، أنا لم أتصل بهم. لكنهم حشروا أنفسهم ووضعونا
أمام الأمر الواقع، فصعدنا أنا وبريمر في هليكوبتر وهم ثلاثتهم في هليكوبتر أخرى، وصلنا
إلى مكان بالقرب من مطار بغداد بعد أن داروا بنا عدة مرات".
سر صمت احمد الجلبي
لقد تحدث أكثر
من شخص كان قد شارك في هذا اللقاء، وقالوا اموراً كثيرة يراها الباجه جي غير حقيقية
ولم يكونوا صادقين برواية احداث اللقاء مع صدام حسين بعد اعتقاله مباشرة، هنا يروي
الباجه جي الاحداث كما عاشها ومن وجهة نظره، قال: "كان سانشيز قائد القوات الأميركية
في انتظارنا هناك، دخلنا إلى غرفة صغيرة وبسيطة للغاية، وشاهدت صدام حسين يجلس على
سرير مخصص للجنود ويرتدي دشداشة بيضاء وفوقها جاكيت (سترة)، وكانوا قد حلقوا شعره وذقنه،
فتطلع إلينا، وفوجئت بموفق الربيعي وهو يستهل اللقاء بتوجيه الشتائم والكلمات النابية
له (أنت كذا وابن كذا وفعلك)، وما شابه من هذه الشتائم، وتابع (أنت الآن فيك خير، عندك
شجاعة، وتطلع إلى الشارع)، فأجابه صدام حسين بهدوء وثقة قائلا: (نعم أنا أستطيع الآن
الخروج إلى الشارع، لكن هل أنت فيك خير، عندك الشجاعة لتخرج إلى الناس في الشارع الآن)،
ثم قال له الربيعي: (لماذا فعلت هذا بالصدر)، يعني محمد باقر الصدر، ثم جلسنا على كراسي
وبقي بريمر واقفا إلى جانب سانشيز، فأجابه صدام ساخرا: ( أنا لا أعرف عما تتحدث، يا
صدر، يا رجل) ويعني القدم، وبالطريقة نفسها شتمه عادل عبد المهدي لكن بدرجة أقل من
الربيعي".
ويثير الباجه جي
مسألة بقيت مستغربا منها حتى الآن، يقول: "الغريب في هذا اللقاء هو أنه خلال الفترة
التي بقيناها هناك لم ينبس أحمد الجلبي بكلمة واحدة ولم يقل أي شيء، باستثناء أن صدام
حسين عندما سأل عنا (من هم الجماعة)، فقفز الجلبي مسرعا من مكانه وقال مشيرا إلي (هذا
عدنان الباجه جي)، بدلا أن يقول له مثلا أنا أحمد الجلبي، أو يقدم له الآخرين، عبد
المهدي والربيعي، بعد ذلك صمت الجلبي ولم يقل أي كلمة، يعني هذا كل ما تفوه به خلال
فترة المقابلة التي استمرت ما يقرب من 45 دقيقة. تطلع صدام إلي وقال: إي احنا نعرفك
ولكن اشجابك على هذولة.. (نعم نحن نعرفك ولكن ما الذي جمعك مع هؤلاء)، فقلت له: أنا
لم آت معهم، فنحن جئنا إلى العراق لأننا نريد تحقيق حكم ديمقراطي. فقال: كان حكمنا
ديمقراطيا ونحن انتخبنا الشعب. قلت معترضا: لا لم يكن حكمكم ديمقراطيا، بل كان استبداديا،
ثم تابعت قائلا: أنا عندي سؤال يشغلني منذ سنوات وأريد إجابتكم عليه، لماذا لم تنسحب
من الكويت عندما كان بمقدوركم فعل ذلك؟، كنت ستجنب العراقيين والعراق كثيرا من الكوارث،
فأجاب: أنا كنت على استعداد للانسحاب، لكنني اشترطت حل قضايا أخرى في المنطقة.. قلت:
أنت تعرف أن ذلك كان يعد من المطالب التعجيزية.. فرد قائلا: التاريخ هو الذي سيحكم..
ثم سألته: لماذا كان حكمك ديكتاتوريا ومتعسفا.. فأجاب: العراق يحتاج إلى حاكم عادل
وحازم.. فقلت: لم تكن حاكما عادلا بلا شك، وكان حكمكم مسؤولا عن قتل مئات الآلاف من
العراقيين، فأنهى الحديث مكررا قوله السابق: على كل حال التاريخ هو الذي سيحكم ويقرر".
ويمضي الباجه جي
قائلا: "في طريق عودتنا جلس أحمد الجلبي بقربي، وكان منطفئا وصامتا، فسألته ان
كان هناك اي شيء وقلت له: انت ليش مو على بعضك؟، فقد كان يبدو خائفا، وكأن هناك شيئا
يخشى كشفه، على العموم أنا لا أستطيع أن أخمن ما سبب ذلك، فبعض الظنون تكون خاطئة".
يقول: "فكرت
في هذا الرجل، صدام حسين، أي مكانة عالية كان فيها وإلى أي مصير وصل، والإنسان يجب
أن لا يشمت بمصائر الآخرين، فأنا لم يكن بيني وبين صدام حسين أي موضوع شخصي، ولا أستطيع
الادعاء بأن البعثيين ظلموني، كلا لم يظلموني، بل على العكس كانوا دائما يتعاملون معي
باحترام وتقدير. لكنني حزنت كثيرا لما حل بشعبي وبلدي بسبب موضوع الكويت".
رؤساء قابلتهم
في حياتي
ويتذكر الباجه
جي بقية الرؤساء ورؤساء الحكومات الذين قابلهم خلال حياته المهنية، على أن تفاصيل هذه
اللقاءات سيأتي ذكرها خلال تسلسل الأحداث.
يقول: "ذهبت
إلى القاهرة في مايو (أيار) على رأس وفد عراقي قبل حرب 1967، وقابلت الرئيس جمال عبد
الناصر، كما زرت الهند وباكستان، والتقيت أنديرا غاندي عندما كانت رئيسة الوزراء، بينما
كان رئيس وزراء باكستان أيوب خان، وطلبت منه أن يعيد النظر في اعتقال ذو الفقار علي
بوتو، لأنه كان وزيرا للخارجية وتربطني به علاقات طيبة، ووعد خيرا، بعد ذلك بسنوات
ذهبنا أنا وأحمد السويدي من أبوظبي، عندما كنت أعمل في الإمارات، إلى باكستان، وكان
بوتو رئيسا للوزراء وقت ذاك والتقيت به حيث شكرني على موقفي وقال: لقد بلغني اهتمامكم
بقضيتي وأنا في المعتقل. لكنه أعدم فيما بعد على يد العسكر في عهد ضياء الحق".
يصمت الباجه جي
للحظات، ثم يعاود الحديث قائلا: "يعني ما يصير إعدام رئيس وزراء، مثلما فعلوا
في تركيا بإعدام عدنان مندرس، هذا لا يجوز، هؤلاء رؤساء وزارات وليسوا مجرمين، ثم إن
السياسة هي عبارة عن اجتهادات، من يقول أنت صح وهو خطأ، هذه همجية".
وعندما كان الباجه
جي وزيرا لخارجية العراق التقى الرئيس الفرنسي، حسبما يذكر: "التقيت الرئيس ديغول
في الإليزيه، والتقيت رئيس الوزراء التركي سليمان دميريل، وذهبت إلى إيران في زيارة
رسمية مع الرئيس عبد الرحمن عارف، وقابلت الشاه محمد رضا بهلوي منفردا في قصره في شمال
طهران".
والمعروف ان اسم
الباجه جي كان سيضاف إلى نادي رؤساء الجمهوريات لو أنه لم يتنازل عن اختياره رئيسا
للعراق، كما سنعرف لاحقا، لكنه وبثقة وعزة الرجل الغني بأفكاره وتاريخه وإنجازاته،
يقول: "أنا ليس لي أي طموحات شخصية سوى خدمة العراق والعراقيين، العراق الذي منحني
كل شيء، ومثلما أوضحت سابقا هو أنني أردت أن أرد لبلدي وشعبي بعض ما منحني إياه من
خلال خبراتي وعلاقاتي العربية والدولية، فلست طامعا في مال ولا جاه ولا منصب، والحمد
لله مشهود لاسمي وتاريخي وسمعتي، وقد عشت كل هذه السنوات معززا مكرما في الإمارات التي
أحترم أهلها ويحترمونني، فأنا أشعر، وهم أيضا قد أشعروني بأن الإمارات بلدي، لانني
أسهمت في إنشائها وبنائها".