31
اكتوبر
2025
محافظ كربلاء المقدسة: نعمل بصمت.. لكن كربلاء تتكلم بإنجازاتها
نشر منذ 11 ساعة - عدد المشاهدات : 1254



محافظ كربلاء المقدسة: نعمل بصمت.. لكن كربلاء تتكلم بإنجازاتها

 

حاوره : رئيس التحرير

تيمور الشرهاني

 

أجواءٍ يختلط فيها عبق التاريخ بنبض الحاضر، وتحت ظلال قبةٍ تشهد على أعظم دروس الصبر والعطاء، كان لجريدة الإعلام العراقي هذا اللقاء الخاص مع محافظ كربلاء المقدسة المهندس نصيف جاسم الخطابي، الرجل الذي يكتب بخططه فصولاً جديدة في كتاب إعمار المدينة، ويحوّل الرؤية إلى واقع، والطموح إلى منجزٍ يلمسه كل مواطن وزائر.

 

اللقاء لم يكن حواراً اعتيادياً بقدر ما كان رحلة فكرية وإدارية وإنسانية في قلب مشروعٍ متكامل لصناعة المستقبل الكربلائي الواعد، حيث كشف المحافظ عن أسرار العمل الدؤوب، وعن فلسفةٍ إدارية تُوازن بين القداسة والتنمية، وبين الإرث والحداثة.

 

وفي مستهل الحوار، عبّر المحافظ عن تقديره العالي لكادر جريدة الإعلام العراقي، قائلاً:

 

إننا نثمّن الدور الإعلامي الوطني الرصين الذي تؤديه جريدتكم الموقّرة في نقل الحقائق بمهنية وموضوعية، وتسليط الضوء على أنشطة المحافظة ومشاريعها التنموية. فالإعلام الواعي شريك أساس في البناء، وصوتُه الملتزم يسهم في ترسيخ الثقة بين المواطن والمسؤول، ويعكس الصورة المشرقة لكربلاء المقدسة التي نعتز بها جميعاً.

 

هكذا بدأت تفاصيل الحديث الذي انساب بصدقٍ وعمق، لتتكشف من خلاله ملامح مرحلة جديدة في مسار التنمية والخدمة العامة، حيث حملت كلمات الخطابي رؤية القائد، وحرارة الإنسان، وصدق العزم على جعل كربلاء مدينةً تتحدث عنها الإنجازات قبل أن تتحدث عنها التصريحات.

 

سيادة المحافظ، تزدحم كربلاء اليوم بالمشاريع الخدمية والعمرانية، حتى غدت ورشة عمل مفتوحة. كيف تصفون واقع العمل في هذه المشاريع؟

 

-كربلاء المقدسة اليوم تشهد نهضة حقيقية وليست مجرد وعود تُطلق أو شعارات تُرفع. نحن نعمل على بناء مدينة تستحق أن تكون عنواناً للعراق المشرق، مدينة يتعايش فيها التاريخ والحداثة في مشهدٍ واحدٍ مهيب.

لقد عقدنا اجتماعات موسعة مع الكوادر الهندسية المتقدمة في الدوائر الخدمية والمشاريع، ليس لمجرد المتابعة الإدارية، بل لصناعة رؤية متكاملة لإدارة التنمية في المحافظة. نحن نؤمن أن الإعمار الحقيقي يبدأ من العقل الهندسي المدرك والمسؤولية الميدانية الصادقة.

وجهنا بضرورة أن تكون المتابعة مستمرة، والمواصفات مطابقة للمعايير القياسية، لأننا لا نريد عملاً مؤقتاً بل إنجازاً يعيش لعقود.

السرعة في التنفيذ مطلوبة، لكننا نؤمن بأن السرعة الحقيقية هي في دقة الأداء، وأن كل حجر يوضع في كربلاء يجب أن يُبنى على أساس من الجودة والضمير.

 

لننتقل إلى الجانب الاجتماعي، حيث أطلقتم المرحلة الثانية من حملة “إحنا بظهركم” لمكافحة الابتزاز الإلكتروني. ما الذي حملته هذه المرحلة من جديد؟

 

-هذه الحملة واحدة من أكثر المبادرات التي نعتز بها لأنها تنبع من قلب الأبوة والمسؤولية المجتمعية.

ظاهرة الابتزاز الإلكتروني ليست قضية أمنية فحسب، بل هي قضية تمس الأخلاق والتربية والوعي، وتمس ثقة الفتاة بنفسها وأمانها النفسي.

من هنا جاءت فكرة “إحنا بظهركم” — رسالة نبعثها لكل طالبة تقول: “لسنا سلطة فوقك، بل سند إلى جانبك.”

في المرحلة الثانية وسّعنا نطاق الحملة لتشمل المدارس الإعدادية والمتوسطة، ودمجنا بين التوعية الأمنية والتربوية. فالأمن لا يُبنى بالقوة فقط، بل يُبنى بالثقافة والمعرفة.

كربلاء لا تحارب الجريمة فحسب، أنما تحارب الجهل الذي يُنتجها، ونحن نعمل على أن تكون مدراسنا منارات وعيٍ رقميّ تحمي أبناءنا من مخاطر الفضاء الإلكتروني.

 

برعايتكم انطلقت دورة “إعداد القادة” لتأهيل الشباب. ما فلسفتكم من وراء هذا المشروع؟

 

-أنا مؤمن أن الأمم لا تُبنى بالإسمنت فقط، إنما تُبنى بالإنسان أولاً.

لهذا فإننا نعمل على مشروع استراتيجي طويل الأمد لإعداد قيادات شبابية تمتلك أدوات الفكر والوعي والمسؤولية.

في دورة “إعداد القادة” سعينا إلى غرس القيم القيادية الحقيقية — كيف يضبط الإنسان ذاته قبل أن يقود غيره، وكيف يتعامل مع النجاح بتواضع لا بغرور.

نحن نُدرّب على الذكاء العاطفي، والتوازن الشخصي، ومهارات التواصل، لأن القائد الذي لا يعرف نفسه لن يعرف شعبه.

محافظة كربلاء تعمل ضمن خطة تمتد من عام 2025 إلى عام 2050، نهدف من خلالها إلى الاستثمار في الإنسان باعتباره أثمن ثروة تمتلكها الأمم.

ولذلك، فإن كل دورة شبابية أو نشاط معرفي نعتبره استثماراً في مستقبل هذه المدينة المقدسة، ومساهمة في صناعة جيلٍ يقود بالخلق والكفاءة، لا بالمناصب ولا بالعناوين.

 

افتتاح مكتب “إبداع كربلاء الخدمي” في منطقة الملحق لاقى صدى واسعاً. ما الهدف الحقيقي وراء هذا المشروع؟

 

-الغاية من هذا المكتب أن نكسر الحواجز بين المواطن والحكومة المحلية، لأننا نؤمن أن منصات الخدمة لا يجب أن تكون بعيدة عن الناس.

 

مكتب “إبداع كربلاء الخدمي” هو نافذة مفتوحة للمواطنين على مدار العام، يستقبل طلباتهم وشكاواهم ومقترحاتهم، ويتعامل معها فوراً من خلال التنسيق المباشر مع الدوائر ذات العلاقة.

لقد وجّهت بأن تكون هذه المكاتب في قلب الأحياء، لا في أروقة الدوائر، لأننا نريد للمواطن أن يشعر أن الحكومة ليست سلطة فوقه بل خدمة إلى جانبه.

وهذا المكتب لن يكون الأخير، بل هو نواة لشبكة من المكاتب في عموم المحافظة، هدفها تعزيز الثقة بين المواطن والإدارة. فالقرب من الناس هو أصدق أشكال القيادة، وهو المعيار الحقيقي لنجاح أي مسؤول.

 

أين وصلت الأعمال في مشروع شارع الإمام الرضا (عليه السلام) الذي يعد من المشاريع المهمة في المدينة؟

 

-شارع الإمام الرضا (عليه السلام) ليس مجرد طريق في قياسي هو شريان حياة للمدينة، يربط بين أحيائها السكنية ومواقعها الحيوية، ويمتد من حي النصر مروراً بملعب كربلاء الدولي وصولاً إلى قلب المدينة.

لقد أُنجزت البنى التحتية بالكامل، ونحن الآن في مراحل الإكساء النهائية تمهيداً لافتتاحه قريباً.

أردنا لهذا الشارع أن يكون أنموذجاً في الدقة الهندسية والجمال الحضري، لأنه يختصر رؤيتنا في التنمية: تنظيم حضري متكامل، وتخطيط يوازي قدسية المكان وروح الزائرين.

كل مشروع ننجزه في كربلاء هو صفحة من كتابٍ نكتبه للأجيال القادمة، عنوانه: “هنا كانت الإرادة، وهنا وُلد الإعمار.”

 

ازيارتكم الأخيرة للقائم بالأعمال الهولندي حملت أبعاداً اقتصادية وعلمية. ما أبرز مخرجات هذا اللقاء؟

 

-نحن نسعى إلى فتح نوافذ جديدة للتعاون مع الدول الصديقة على أساس من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة.

مع هولندا، وجدنا شريكاً يمتلك خبرة عالمية في الزراعة وإدارة المياه، وقد تم الاتفاق على تخصيص (15) مقعداً تدريبياً للكوادر العراقية في مجال إدارة الملوحة وتنمية الموارد المائية.

لكن الأهم من ذلك هو بناء جسر دائم للتعاون العلمي والتقني، فالعراق لا ينقصه الذكاء، بل يحتاج إلى بيئة علمية تلتقط الطاقات وتفتح أمامها الأفق.

كربلاء اليوم تقدم نفسها كبيئة آمنة وجاذبة للاستثمار، ونحن نوجّه الدعوة لكل المستثمرين الصادقين بأن يجدوا فيها بوابة للنجاح، لأنها مدينة تملك الأمن والقداسة، والعزيمة معًا.

 

لا شك أن الأمن هو القاعدة التي يستند إليها كل هذا الإعمار. كيف تصفون الواقع الأمني في كربلاء؟

 

-كربلاء كانت وستبقى مدينة الأمان والإيمان معاً.

أقولها بثقة: المنظومة الأمنية في المحافظة اليوم هي من أكثر المنظومات تماسكاً وكفاءة على مستوى البلاد.

اجتمعنا مع وكيل وزير الداخلية لشؤون الشرطة الفريق هادي رزيج كسّار، وناقشنا سبل تعزيز التنسيق والدعم اللوجستي للقوات الأمنية.

لقد أثبت رجال الأمن في كربلاء شجاعة استثنائية في إدارة الزيارات المليونية وحماية الزائرين دون أي خلل يُذكر، وهذا بحد ذاته إنجاز يفتخر به كل عراقي.

الأمن بالنسبة لنا ليس واجباً عسكرياً فقط، كونه واجب إنساني بالدرجة الأولى نُمارسه بروح الخدمة، لأن حماية الإنسان هي أعلى درجات الإعمار.

 

تفاعلكم الكبير مع شيوخ العشائر لاقى تقديراً شعبياً واسعاً. ما أهمية هذا التواصل بالنسبة لمسيرة التنمية؟

 

-العشائر في كربلاء المُقدسة ليست مجرد مكوّن اجتماعي، أقولها وانا فخور هي ركن من أركان الاستقرار والكرامة.

حين يجتمع صوت الحكومة مع صوت العشيرة، تنسجم الحكمة مع الأصالة، وينهض البناء على قاعدة صلبة من الثقة المتبادلة.

لقد التقيت بشيوخٍ أفاضل قدّموا أروع صور الدعم لجهود الإعمار والتنمية، وكان موقفهم الوطني يعكس عمق الانتماء لهذه الأرض الطيبة.

نحن نرى في العشائر الحصن الذي يذود عن وحدة المجتمع، والشريك الذي يقف معنا في السراء والضراء. ومن هذا التعاون نستمد طاقتنا لنمضي في طريقنا بثبات نحو غدٍ أفضل لكربلاء وأهلها.

 

كلمة أخيرة توجهونها لأبناء كربلاء المقدسة.

 

-أقول لأبناء كربلاء بكل فخر: أنتم شركاؤنا في كل ما تحقق، وأنتم من يمنح هذه المدينة نبضها وحياتها.

اعلموا أن كل مشروع يُنجز، وكل شارع يُرصف، وكل مدرسة تُبنى، إنما تُشيَّد بجهودكم وصبركم ومحبتكم.

نحن نعمل من أجلكم، ولكننا أيضاً نعمل بكم.

كربلاء لن تتوقف عن النهوض، لأنها مدينة تعلّمت من مدرسة الحسين عليه السلام أن العطاء لا يعرف حدوداً، وأن النور يخرج دوماً من قلب التضحية.

وسيأتي يوم قريب — وأقولها بيقين — حين تصبح كربلاء نموذجاً وطنياً في الإدارة، والإنسانية، والتخطيط، لتكون بحق مدينة القداسة والتنمية معاً.

 

ما بين الرؤية والعمل، وبين التخطيط والتنفيذ، يرسم محافظ كربلاء المقدسة المهندس نصيف الخطابي ملامح نهضةٍ متكاملة تتجاوز حدود الإعمار إلى بناء الإنسان ذاته.

حديثه لا يمر مرور الكرام، لأنه حديث من يعيش التفاصيل لا من يكتفي بالمراقبة، ومن يرى في كربلاء مسؤولية تاريخية لا مجرد تكليف إداري.

 

في كل عبارة نطق بها، كان يلوّح بحكمة التجربة وصدق الإيمان بأن المدن تُبنى بالعقول النزيهة قبل المعاول، وبأن كربلاء – بما تحمله من قداسة ووعي وتلاحم شعبي – قادرة على أن تكون نموذجاً عراقياً فريداً في الإدارة، والأمن، والتنمية المستدامة.

 

حوارنا معه لم يكن حوار أسئلة وأجوبة فحسب، بل كان مرآةً لروح قائدٍ يعمل بصمتٍ ليتكلم عنه الفعل، ويقود بخطى ثابتة نحو مستقبلٍ يليق بمدينة الحسين عليه السلام.

 

وإذ نضع بين أيدي قرائنا هذا الحوار، فإننا نُجدد العهد بنقل الصورة المشرقة لكربلاء في مسيرتها نحو التطور، مدينةً تجمع بين قدسية المكان وجمال الإنسان.



صور مرفقة







أخبار متعلقة
مشاركة الخبر
التعليق بالفيس بوك
التعليقات
استطلاع رأى

هل تتوقع أن تساهم التظاهرات بتحسين مستوى الخدمات

14 صوت - 67 %

0 صوت - 0 %

عدد الأصوات : 21

أخبار