|
27
اكتوبر
2017
|
الصفافير .. سوق غاب عنه ضجيجه الجميل!
نشر منذ Oct 27 17 pm31 07:30 PM - عدد المشاهدات : 1832
|
استذكر بائع النحاسيات كامل كرادي اغنية المطربة
سليمة مراد وهي تردد"انا من اكول اه واذكر ايامي"وهو ينظر بحسرة الى محال
السوق المغلقة, كرادي الذي امضى اكثر من ثلاثين عاما وهو يمارس مهنة صناعة الدلات والاواني
المنزلية واباريق الشاي في سوق الصفافير قال وهو يشير الى محال القماشة التي انتشرت
في الاشهر الاخيرة كانت اعداد لاحصر لها من الآباء والابناء وهم يصوغون النحاس بمطارقهم
الكبيرة والصغيرة من اجل رسم مفردات حضارة العراق وتراثه فوق قطع المعدن القوية.
تاريخ وحرف
"الاسطة" مجيد الملا الذي افتتح محالا
هو واولاده منذ منتصف الستينيات لصنع اطارات صور والفوانيس النحاسية تحدث عن تاريخ
السوق ومهن اصحابه قائلا: تعد السوق التي انشأها المنتصر بالله العباسي عندما بنى المدرسة
المستنصرية الشهيرة عام 316 هجرية الى جانب اسواق مثل الوراقين التي تسمى الآن سوق
السراي وسوق البزازين والعطارين "الشورجة الآن"من اهم اسواق بغداد ويقالان
الغرض من انشاء كان لسد احتياجات المدرسة المستنصرية من المطابخ ومعدات وقدور كبيرة
وصغيرة وصحون وملاعق واحتياجات المطبخ الاخرى, ويتابع الملا ..من المفارقات التي كانت
تحكى عنه ان كتيبة الخيالة الملكية التابعة للحكومة في عهد الملك غازي كانت تمر بموكبها
في هذا السوق كي تتعود خيولها على اصوات الضجيج التي كانت تصدر عن مطارق الصفارين كي
لاتجفل من الاصوات العالية اذا حدثت مشكلة, واستدعت هذه الكتيبة فرسانها فالصفارين
من اهم المهن الحرفية في العراق, فقد كانت اواني الطبخ المنزلية البغدادية ومغسلة اليد
والمشربة منذ العشرينيات مصنوعة من النحاس "الصفر"حتى العام 1953 الذي اصدرت
فيه وزارة الصحة آنذاك قرارا بعدم استخدام الاواني النحاسية لانها كانت تسبب التسمم
ليبدأ بعدها استخدام "الفافون " عوضا عن الصفر التي صارت تصنع منه التحفيات.
الحاج فاضل السيد عباس 68عاما الذي كان يعمل
نقاشا على النحاس قال : لقد كنا نبيع كل شيء في المحل حتى اعوام السبعينيات بسبب الزيارات
اليومية للوافدين والسياح الذين يصلون الى العراق من مختلف دول العالم يضاف اليهم الكثير
من اثرياء بغداد الذين تحولوا الى زبائن دائمين من اجل شراء التحفيات والهدايا فقد
كان السوق يفتح محاله منذ ساعات الفجر الاولى وصولا الى ساعات المساء, ويتابع النقاش
قائلا : بعد اعوام 2003 بدأت العديد من مهن السوق بالاندثار والتلاشي بسبب غياب المواد
الاولية لانها كانت مدعومة من الدولة مثل مادتي النحاس الاصفر والاحمر الايطالي التي
كانت تعطى لمن يملكون اجازة ممارسة المهنة اما لان فصار الاعتماد على النحاس السوري
والايراني يضاف اليها كلف الايجارات وترك الكثير من اهل المهنة وابدالها بمهن اخرى
فقد كانت محال السوق حتى نهاية التسعينيات اكثر من ستين محالا , اما الآن فلم يبق منها
ألا عشرة محال التي صارت تغلق ابوابها بعد الساعة الثالثة عصرا.
قلة الزبائن
قحطان عبد الله الذي يعمل منذ مطلع التسعينيات
في السوق قال : اختفى زبائننا بسبب الاوضاع الامنية كذلك غياب السواح الذي اثر كثيرا
علينا فالشراء صار قليلا لايكاد يغطي ايجارات المحال يضاف اليها زحف الكثير من المهن
الى السوق مثل القماشون الذين بسببهم زادت الايجارات الى معدلات كبيرة, ويتحسر قحطان
مستذكرا..لقد كان الحرفيون يقفون دون احذية وهم يسحقون قطع
المعدن.
رياض جمعة الذي كان يصنع اللوحات التي تزين بآيات
القرآن الكريم قال : لقد تركتنا وزارة السياحة وهاهو السوق في طريقه للانقراض رغم ان
العديد من موظفيها قد زار السوق وقاموا بتسجيل اسمائنا ونوعية مهننا كذلك بقية دوائر
الدولة كاامانة بغداد ووزارة الثقافة فالصفافير سوق كان من اهم واجمل اسواق بغداد الشعبية
التي اختصت بصناعة الاواني التراثية فمهنة الصفار موجودة منذ القدم فهي تجهز البيوت
بما تحتاجه.
التدريسي نبيل ثامر تحدث عن السوق قائلا: لقد
مرت بحقب تاريخية كثيرة منها في العام 1980عندما تخلى النظام السابق عنه بسبب منعه
مادة "الصفر" لغرض استخدامها في الصناعات الحربية التي كانت توزع بين اصحاب
المهن والحرف عن طريق الجمعية التعاونية للحرف والصناعات الشعبية منذ العام 1959ويضيف
التدريسي متابعا ان الصفافير ليست سوقا تجاريا بل هو تاريخ وارث بغدادي شعبي وفولوكلوري
وكذلك للسوق فضل كبير على الادب والشعر فالخليل ابن احمد الفراهيدي كان قد اشتق الاوزان
الشعرية من ضربات مطارقه عندما دخل اليه. واصغى الى ايقاعاته والموسيقى التي تحدثها
المطارق وطريقة ادائها المتناغمة ولكن مع الاسف لم توضع له ضوابط قانونية حيث بدأ التنافس
على محاله من خلال الايجارات الكبيرة ما جعل الجرفيون يتركون اعمالهم ومهنهم التي توارثوها
من آباءهم واجدادهم
امانة بغداد
مسؤول العلاقات والاعلام في امانة بغداد حكيم عبد الزهرة قال عن السوق : هناك اجراءات وضعتها الامانة بالتعاون مع وزارتي الثقافة والداخلية من اجل حفاظ على السوق باعتباره يمثل الموروث الشعبي للصناعات القديمة والمتميزة وضرورة الحفاظ عليها من الزوال اضافة الى المساهمة بتقليل اسعار النحاس الاصفر الذي يعد احد اسباب ترك المهنة لارتفاع اسعاره مقابل النحاس المستورد الذي يملأ الاسواق العراقية الآن كذلك وضعت الامانة خطة لاحيائه بعد ان وجه انذارا الى شاغلي محال السوق من باعة الاقمشة والمهن الاخرى التي غيرت طبيعة نشاطه التاريخي.
كاظم لازم